المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٣١
الحديث «كأنما أنشط من عقال»، وقال ابن عباس أيضا : النَّاشِطاتِ النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج، و«السبح» : العوم في الماء، وقد يستعمل مجازا في خرق الهواء والتقلب فيه، واختلف في السَّابِحاتِ في الآية، فقال قتادة والحسن : هي النجوم لأنها تسبح في فلك، وقال مجاهد وعلي رضي اللّه عنه : هي الملائكة لأنها تتصرف في الآفاق بأمر اللّه تجيء وتذهب، وقال أبو روق : السَّابِحاتِ :
الشمس والقمر والليل والنهار، وقال بعض المتأولين : السَّابِحاتِ : السماوات، لأنها كالعائمة في الهواء، وقال عطاء وجماعة : السَّابِحاتِ : الخيل، ويقال للفرس : سابح، وقال آخرون : السَّابِحاتِ الحيتان، دواب البحر فما دونها وذلك من عظيم المخلوقات، فروي أن اللّه تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان، منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر، وقال عطاء أيضا : السَّابِحاتِ : السفن، وقال مجاهد أيضا : السَّابِحاتِ : المنايا تسبح في نفوس الحيوان. واختلف الناس في «السابقات»، فقال مجاهد : هي الملائكة، وقيل الرياح، وقال عطاء هي الخيل، وقيل : النجوم، وقيل المنايا تسبق الآمال، وقال الشاعر [عدي بن زيد] :[الخفيف ] لا أرى الموت يسبق الموت شيء وأما «المدبرات»، فلا أحفظ خلافا أنها الملائكة ومعناه أنها تدبر الأمور التي سخرها اللّه تعالى وصرفها فيها كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات، وقال ابن زيد : الرَّاجِفَةُ : الأرض تهتز بأهلها لنفخة الصور الأولى، وقيل الرَّاجِفَةُ : النفخة نفسها، والرَّادِفَةُ : النفخة الأخرى، ويروى أن بينهما أربعين سنة، وقال عطاء : الراجفة : القيامة نفسها، والرَّادِفَةُ : البعث، وقال ابن زيد :
الرَّاجِفَةُ : الموت، والرَّادِفَةُ : الساعة. وقال أبي بن كعب : كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام وقال :«يا أيها الناس اذكروا اللّه، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه»، ثم أخبر تعالى عن قلوب تجف ذلك اليوم، أي ترتعد خوفا وفرقا من العذاب، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق، ومنه قول الشاعر قيس بن الحطيم :[المنسرح ]
إن بني جحجما وأسرتهم أكبادنا من ورائهم تجف
ورفع قُلُوبٌ بالابتداء وجاز ذلك وهي نكرة لأنها قد تخصصت بقوله : يَوْمَئِذٍ، واختلف الناس في جواب القسم أي هو، فقال الفراء والزجاج : هو محذوف دل الظاهر عليه تقديره : لتبعثن أو لتعاقبن يوم القيامة، وقال بعض النحاة : هو في قوله تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى [النازعات : ٢٦]، وهذا ضعيف لبعد القول ولأن المعنى هالك يستحق ابن، وقال آخرون : هو في قوله يَوْمَ على تقدير حذف اللام كأنه قال ليوم، وقال آخرون : وهو موجود في جملة قوله تعالى : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ كأنه قال : لتجفن قلوب يوم كذا، ولما دلت على أصحابها ذكر بعد ذلك أبصارها، وخشوعها ذلها، وما يظهر فيها من الهم بالحال، وقوله تعالى : يَقُولُونَ هي حكاية حالهم في الدنيا، معناه : هم الذين يقولون وقولهم أَإِنَّا هو على جهة الاستخفاف والعجب والتكذيب، وقرأ ابن أبي إسحاق وابن يعمر :«أ إنا» بهمزتين ومدة على الاستفهام، وقرأ جمهور القراء :«أ إنا» باستفهام وهمزة