المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٣٤
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات : ٢٤] أربعين سنة، وقيل هذه المدة بين الكلمتين، وقال ابن عباس :
الْأُولى قوله : ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص : ٣٨]، والْآخِرَةِ قوله : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات : ٢٤]. وقال أبو زيد : الْأُولى كفره وعصيانه، والْآخِرَةِ قوله : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات :
٢٤] وقال ابن زيد : الْأُولى الدنيا، والْآخِرَةِ : الدار الآخرة، أي أخذه اللّه بعذاب جهنم وبالغرق في الدنيا، وقال مجاهد : عبارة عن أول معاصيه وكفره وآخرها أي نكل بالجميع، ونَكالَ نصب على المصدر، والعامل فيه على رأي سيبويه «أخذ» لأنه في معناه، وعلى رأي أبي العباس المبرد فعل مضمر من لفظ نَكالَ، ثم وقف تعالى على موضع العبرة بحال فرعون وتعذيبه، وفي الكلام وعيد للكفار المخاطبين برسالة محمد عليه السلام، ثم وقفهم مخاطبة منه تعالى للعالم والمقصد الكفار، ويحتمل أن يكون المعنى : قل لهم يا محمد أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً الآية، وفي هذه الآية دليل على أن بعث الأجساد من القبور لا يتعذر على قدرة اللّه تعالى، و«السمك» : الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها، وقوله تعالى : فَسَوَّاها يحتمل أن يريد جعلها ملساء مستوية ليس فيها مرتفع ومنخفض، ويحتمل أن يكون عبارة عن إتقان خلقها ولا يقصد معنى إملاس سطحها واللّه تعالى أعلم كيف هي.
وَأَغْطَشَ معناه : أظلم، والأغطش الأعمى ومنه قول الشاعر [الأعشى ] :[المتقارب ]
نحرت لهم موهنا ناقتي وليلهم مدلهمّ غطش
ونسب الليل والضحى إليها من حيث هما ظاهران منها وفيها، وقوله تعالى : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها متوجه على أن اللّه تعالى خلق الأرض ولم يدحها، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فخلقها وبناها، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقرأ مجاهد : و«الأرض مع ذلك»، وقال قوم : إن بَعْدَ ذلِكَ معناه مع ذلك، والذي قلناه تترتب عليه آيات القرآن كلها، ونسب الماء والمرعى إلى الأرض حيث هما يظهران فيها، ودحو الأرض بسطها ومنه قول أمية بن أبي الصلت :[الكامل ]
دار دحاها ثم أسكننا بها وأقام بالأخرى التي هي أمجد
وقرأ الجمهور :«و الأرض» نصبا، وقرأ الحسن وعيسى :«و الأرض» بالرفع، وقرأ الجمهور :
و«الجبال» نصبا، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد :«و الجبال» رفعا، وأَرْساها معناه : أثبتها، وجمع هذه النعم إذا تدبرت فهي متاع للناس، و«الأنعام» يتمتعون فيها وبها، وقرأ الجمهور :«متاعا» بالنصب، وقرأ ابن أبي عبلة :«متاع» بالرفع، والطَّامَّةُ الْكُبْرى هي القيامة، قاله ابن عباس والضحاك، وقال الحسن وابن عباس أيضا : النفخة الثانية، وقوله : ما سَعى معناه : ما عمل من سائر عمله، ويتذكر ذلك بما يرى من جزائه، وقرأ جمهور الناس :«و برّزت» بضم الباء وشد الراء المكسورة، وقرأ عكرمة ومالك بن دينار وعائشة :«و برزت» بفتح الباء والراء، وقرأ جمهور الناس :«لمن يرى» بالياء أي لمن يبصر ويحصل، وقرأ عكرمة ومالك بن دينار وعائشة :«لمن ترى» بالتاء أي تراه أنت، فالإشارة إلى كفار مكة أو إشارة إلى الناس، والمقصد كفار مكة، ويحتمل أن يكون المعنى : لمن تراه الجحيم كما قال تعالى : إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [الفرقان : ١٢] وقرأ ابن مسعود :«لمن رأى» على فعل ماض.


الصفحة التالية
Icon