المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٣٦

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة عبس
وهي مكية بإجماع المفسرين، قصص هذه السورة التي لا تتفهم السورة إلا به أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان شديد الحرص على إسلام قريش وأشرافهم، وكان يتحفى بدعائهم إلى اللّه تعالى، فبينما هو يوما مع رجل من عظمائهم قيل الوليد بن المغيرة المخزومي، وقيل عتيبة بن ربيعة، وقيل شيبة وقيل العباس، وقيل أمية بن خلف، وقال ابن عباس : كان في جمع منهم فيهم عتبة والعباس وأبو جهل إذ أقبل عبد اللّه بن أم مكتوم القرشي الفهري من بني عامر بن لؤي وهو رجل أعمى يقوده رجل آخر فأومأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى قائده أن يؤخر عنه ففعل فدفعه عبد اللّه نحو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال : استدنني يا محمد، علمني مما علمك اللّه، وكان في ذلك كله قطع لحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع الرجل المذكور من قريش، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد قرأ عليه القرآن، ثم قال له : أترى بما أقول بأسا، فكان ذلك الرجل يقول : لا والدمى يعني الأصنام، ويروى : لا والدماء، يعني الذبائح للأصنام، فلما شغب عليه أمر عبد اللّه بن أم مكتوم عبس وأعرض عنه، وذهب ذلك الرجل فروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم انصرف إلى بيته فلوى رأسه وشخص بصره، وأنزلت عليه هذه السورة. قال سفيان الثوري : فكان بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم بسط له رداءه، وقال له أنس بن مالك : رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء، واستخلفه النبي صلى اللّه عليه وسلم على المدينة مرتين.
قوله عز وجل :
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١ الى ١٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦) قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧)
«العبوس» : تقطب الوجه واربداده عند كراهية أمر، وفي مخاطبته بلفظ ذكر الغائب مبالغة في العتب لأن في ذلك بعض الإعراض، وقال كثير من العلماء وابن زيد وعائشة وغيرها من الصحابة : لو كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي، لكتم هذه الآيات، وآيات قصة زيد وزينب بنت جحش،


الصفحة التالية
Icon