المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٣٩
مجاهد : أراد السَّبِيلَ عامة اسم الجنس في هدى وضلال أي يسر قوما لهذا كقوله تعالى : إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان : ٣]، وقوله تعالى : وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد : ١٠] وقوله تعالى :
فَأَقْبَرَهُ معناه أمر أن يجعل له قبر، وفي ذلك تكريم لئلا يطرح كسائر الحيوان، والقابر هو الذي يتناول جعل الميت في قبره، والمقبر الذي يأمر بقبر الميت، ويقرره، وأَنْشَرَهُ معناه : أحياه، يقال : نشر الميت وأنشره اللّه، وقوله : إِذا شاءَ يريد إذا بلغ الوقت الذي شاءه وهو يوم القيامة، وقرأ بعض القراء :
شاءَ أَنْشَرَهُ بتحقيق الهمزتين، وقرأ جمهور الناس : شاءَ أَنْشَرَهُ بمدة وتسهيل الهمزة الأولى، وقرأ شعيب بن أبي حمزة :«شاء نشره»، وقرأ الأعمش :«شاء انشره» بهمزة واحدة، وقوله تعالى : كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ رد لما عسى أن للكفار من الاعتراضات في هذه الأقوال المسرودة ونفي مؤكد لطاعة الإنسان لربه وإثبات أنه ترك حق اللّه تعالى، ولم يقض ما أمره، قال مجاهد : لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه، ثم أمر تعالى الإنسان بالعبرة والنظر إلى طعامه والدليل فيه، وذهب أبيّ بن كعب وابن عباس والحسن ومجاهد وغيره إلى أن المراد إِلى طَعامِهِ إذا صار رجيعا ليتأمل حيث تصير عاقبة الدنيا، وعلى أي شيء يتفانى أهلها وتستدير رحاها، وهذا نظير ما روي عن ابن عمر : أن الإنسان إذا أحدث فإن ملكا يأخذ بناصيته عند فراغه فيرد بصره إلى نحوه موقفا له ومعجبا فينفع ذلك من له عقل، وذهب الجمهور إلى أن معنى الآية : فلينظر إلى مطعوماته وكيف يسرها اللّه تعالى له بهذه الوسائط المذكورة من صب الماء وشق الأرض، ويروى أن رجلا أضافه عابد فقدم إليه رغيفا قفارا فكأن الرجل استخشنه فقال له : كله فإن اللّه تعالى لم ينعم به وكمله حتى سخر فيه ثلاثمائة وستين عاملا الماء والريح والشمس ثلاثة من ذلك، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي :«أنّا صببنا» بفتح الألف على البدل وهي قراءة الأعرج وابن وثاب والأعمش، ورد على هذا الإعراب قوم بأن الثاني ليس الأول وليس كما ردوا لأن المعنى : فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إلى إنعامنا في طعامه فترتب البدل وصح، «و أنا» في موضع خفض، وقرأ الجمهور :«إنا» بكسر الألف على استئناف تفسير الطعام، وقرأ بعض القراء :«أنى» بمعنى كيف ذكرها أبو حاتم، و«صب الماء» : هو المطر، و«شق الأرض» : هو بالنبات، و«الحب» : جمع حبة بفتح الحاء وهو كل ما يتخذه الناس ويربونه كالقمح والشعير ونحوه، والحبة بكسر الحاء
كل ما ينبت من البزور ولا يحفل به ولا هو بمتخذ، و«القضب» قال بعض اللغويين : هي الفصافص، وهذا عندي ضعيف، لأن الفصافص هي للبهائم فهي دخل في الأبّ، وقال أبو عبيدة :«القضب» الرطبة، قال ثعلب : لأنه يقضب كل يوم. والذي أقوله إن «القضب» هنا هو كل ما يقضب ليأكله ابن آدم، وغضا من النبات كالبقول والهليون ونحوه، فإنه من المطعوم جزء عظيم ولا ذكر له في الآية إلا في هذه اللفظة، والغلب الغلاظ الناعمة، و«الحديقة» الشجر الذي قد أحدق بجدار أو نحوه، و«الأبّ» : المرعى قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة، وقال الضحاك :«الأبّ» : التبن، وفي اللفظة غرابة وقد توقف في تفسيرها أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما، ومَتاعاً نصب على المصدر، والمعنى تتمتعون به أنتم وأنعامكم، فابن آدم في السبعة المذكورة والأنعام في الأبّ.