المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٤٧
الكريم تلقن هذا الجواب، فهذا من لطف اللّه تعالى لعباده العصاة من المؤمنين، وقرأ ابن جبير والأعمش :
«ما أغرك» على وزن أفعلك، والمعنى ما دعاك إلى الاغترار أن يكون المعنى تعجبا محضا، وقرأ الجمهور :«فعدّلك» بتشديد الدال، وكان صلى اللّه عليه وسلم : إذا نظر إلى الهلال، قال :«آمنت بالذي خلقك فسواك فعدلك» لم يختلف الرواة في شد الدال، وقرأ الكوفيون والحسن وأبو جعفر وطلحة والأعمش وأبو رجاء وعيسى بن عبيد :«فعدلك» بتخفيف الدال، والمعنى عدل أعضاءك بعضها ببعض أي وازن بينها، وقوله تعالى : فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ، ذهب الجمهور إلى أن فِي متعلقة ب رَكَّبَكَ، أي في قبيحة أو حسنة أو مشوهة أو سليمة ونحو هذا، وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ : بمعنى إلى أي صورة حتى قال بعضهم : المعنى : لم يجعلك في صورة خنزير ولا حمار، وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى : الوعيد والتهديد، أي الذي إن شاء ركبك في صورة حمار أو خنزير أو غيره، وما في قوله : ما شاءَ، زائدة فيها معنى التأكيد، والتركيب والتأليف وجمع الشيء إلى شيء، وروى خارجة عن نافع :«ركبك كلا» بإدغام الكاف في الكاف، ثم رد على سائر أقوالهم ورد عنها بقوله : كَلَّا، ثم أثبت لهم تكذيبهم بالدين، وهذا الخطاب عام ومعناه الخصوص في الكفار، وقرأ جمهور الناس :«تكذبون» بالتاء من فوق، وقرأ الحسن وأبو جعفر :«يكذبون» بالياء، و«الدين» هنا يحتمل أن يريد الشرع، ويحتمل أن يريد الجزاء والحساب. و«الحافظون» : هم الملائكة الذين يكتبون أعمال ابن آدم، وقد وصفهم بالكرم الذي هو نفي المذام. ويَعْلَمُونَ ما يفعل ابن آدم لمشاهدتهم حاله، وقد روي حديث ذكره سفيان : يقتضي أن العبد إذا عمل سيئة مما لا ترى ولا تسمع، مثل الخواطر المستصحبة ونحوها أن الملك يجد ريح تلك الخطرة الخفية بإدراك قد خلقه اللّه لهم.
قوله عز وجل :
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٣ الى ١٩]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧)
ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
«الأبرار» : جمع بر وهو الذي قد اطرد بره عموما فيرونه في طاعته إياه، وبر أبويه وبر الناس في دفع ضره عنهم وجلب ما استطاع الخير إليهم، وبر الحيوان وغير ذلك في أن لم يفسد شيئا منها عبثا ولغير منفعة مباحة، و«الفجار» : الكفار، و«يصلون» معناه : يباشرون حرّها بأبدانهم، ويَوْمَ الدِّينِ هو يوم الجزاء، وقوله تعالى : وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ قال بعض المتأولين : هذا تأكد في الإخبار عن أنهم يصلونها، وأنهم لا يمكنهم الغيب عنها يومئذ، وقال آخرون : وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ في البرزخ، كأنه تعالى لما أخبر عن صليهم إياها يوم الدين وذلك أنهم يرون مقاعدهم من النار غدوة وعشية فهم مشاهدون لها، ثم عظم تعالى قدر هول يوم القيامة بقوله : وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ ما أَدْراكَ وقرأ ابن كثير وأبو