المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٥٧
مؤثر، ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«من سأل وله ما يغنيه حاءت مسألته خدوشا أو كدوحا في وجهه يوم القيامة»، والمعنى أنك عامل خيرا أو شرا وأنت لا محالة في ذلك سائر إلى ربك، لأن الزمن يطير بعمر الإنسان، فإنما هو مدة عمره في سير حثيث إلى ربه، وهذه آية وعظ وتذكير، أي فكر على حذر من هذه الحال واعمل عملا صالحا تجده، وقرأ طلحة : بإدغام كاف كادح ومن هذه اللفظة قول الشاعر :[الوافر]
وما الإنسان إلا ذو اغترار طوال الدهر يكدح في سفال
وقال قتادة : من استطاع أن يكون كدحه في طاعة اللّه فليفعل، وقوله تعالى : فَمُلاقِيهِ معناه :
فملاقي عذابه أو تنعيمه، واختلف النحاة في العامل : في إِذَا، فقال بعض النحاة العامل : انْشَقَّتْ، وأبى ذلك كثير من أئمتهم، لأن إِذَا : مضافة إلى انْشَقَّتْ ومن يجز ذلك تضعف عنده الإضافة، ويقوى معنى الجزاء، وقال آخرون منهم : العامل فَمُلاقِيهِ، وقال بعض حذاقهم : العامل فعل مضمر، وكذلك اختلفوا في جواب إِذَا، فقال كثير من النحاة : هو محذوف لعلم السامع به، وقال أبو العباس المبرد والأخفش : هو في قوله : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ، إذا انشقت السماء، انشقت فأنت ملاقي اللّه، وقيل التقدير فيا أيها الإنسان، وجواب إِذَا في الفاء المقدرة، وقال الفراء عن بعض النحاة : هو أَذِنَتْ على زيادة تقدير الواو، وأما الضمير فَمُلاقِيهِ، فقال جمهور المتأولين هو عائد على الرب، فالفاء على هذا عاطفة ملاق على كادح، وقال بعض الناس : هو عائد على الكدح، فالفاء على هذا عاطفة جملة على التي قبلها، والتقدير فأنت ملاقيه، والمعنى ملاقي جزائه خيرا كان أو شرا، ثم قسم تعالى الناس إلى : المؤمن والكافر، فالمؤمنون يعطون كتبهم بأيمانهم ومن ينفذ عليه الوعيد من عصاتهم فإنه يعطى كتابه عند خروجه والنار، وقد جوز قوم أن يعطاه أولا قبل دخوله النار، وهذه الآية ترد على هذا القول، و«الحساب اليسير» : هو العرض : وأما من نوقش الحساب، فإنه يهلك ويعذب، كذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعائشة رضي اللّه عنها، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :
«من حوسب عذب» فقالت عائشة : ألم يقل اللّه فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً الآية، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«إنما ذلك العرض، وأما من نوقش الحساب فيهلك» وفي الحديث من طريق ابن عمر :«إن اللّه تعالى يدني العبد حتى يضع عليه كنفه، فيقول : ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ثم يقول له : فلم فعلت كذا وكذا لمعاصيه، فيقف العبد حزينا فيقول اللّه تعالى : سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم»، وقالت عائشة : سمعت رسول النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول :«اللهم حاسبني حسابا يسيرا». قلت يا رسول اللّه وما هو؟ فقال :«أن يتجاوز عن السيئات»، وروي عن عمر، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«من حاسب نفسه في الدنيا، هون اللّه تعالى حسابه يوم القيامة»، وقوله تعالى : إِلى أَهْلِهِ أي الذين أعد اللّه له في الجنة، إما من نساء الدنيا، وإما من الحور العين وإما من الجميع، والكافر يؤتى كتابه من ورائه لأن يديه مغلولتان، وروي أن يده تدخل من صدره حتى تخرج من وراء ظهره، فيأخذ كتابه بها، ويقال إن هاتين الآيتين نزلتا في أبي سلمة بن عبد الأسد، وكان أبو سلمة من أفضل المؤمنين، وأخوه من عتاة الكافرين، ويَدْعُوا ثُبُوراً معناه : يصيح منتحبا، وا ثبوراه، وا خزياه، ونحو هذا مما معناه :
هذا وقتك، وزمانك أي احضرني، والثبور، اسم جامع للمكاره كالويل، وقرأ ابن كثير ونافع، وابن عامر