المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٦٣
مستوفيان جميع الأشياء، وقال الطبري معناه : يُبْدِئُ العذاب، ويعيده على الكفار، والْغَفُورُ الْوَدُودُ صفتا فعل، الأولى ستر على عباده، والثانية لطف بهم وإحسان إليهم، وخصص «العرش» بإضافة نفسه إليه تشريفا، وتنبيها على أنه أعظم المخلوقات، وقرأ حمزة والكسائي والمفضل عن عاصم والحسن وابن وثاب والأعمش وعمرو بن عبيد :«المجيد» بخفض الدال صفة للعرش، وهذا على أن المجد والتمجيد قد يوصف به كثير من الجمادات، وقد قالوا مجدت الدابة إذا سمنت، وأمجدتها إذا أحسنت علفها، وقالوا :
في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار : كثرت نارهما، وقرأ الباقون والجمهور :«ذو العرش»، وروى ابن عباس :«ذي العرش»، نعتا لقوله إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ.
قوله عز وجل :
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٧ الى ٢٢]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
هذا توقيف للنبي صلى اللّه عليه وسلم وتقرير بمعنى : لجعل هؤلاء الكفرة الذين يخالفونك وراء ظهرك ولا تهتم بهم، فقد انتقم اللّه من أولئك الأقوياء الشداد، فكيف هؤلاء و«الجنود» الجموع المعدة للقتال، والجري نحو غرض واحد، وناب فِرْعَوْنَ في الذكر مناب قومه وآله، إذ كان رأسهم، وفِرْعَوْنَ وَثَمُودَ في موضع حفض على البدل من الْجُنُودِ، ثم ترك القول بحاله، وأضرب عنه إلى الإخبار بأن هؤلاء الكفار بمحمد عليه السلام وشرعه، لا حجة لهم عليه ولا برهان بل هو تكذيب مجرد سببه الحسد، ثم توعدهم بقوله : وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ، أي وعذاب اللّه ونقمته، وقوله : مِنْ وَرائِهِمْ، معناه : ما يأتي بعد كفرهم وعصيانهم، ثم أعرض عن تكذيبهم مبطلا له وردا عليه، أنه : قُرْآنٌ مَجِيدٌ أي مذمة فيه، وهذا مما تقدم من وصف اللّه تعالى بالمجد والتمجد، وقرأ ابن السميفع اليماني «قرآن مجيد» على الإضافة، وأن يكون اللّه تعالى، هو المجيد، و«اللوح» : هو اللوح المحفوظ الذي فيه جميع الأشياء، وقرأ خفض القراء :«في لوح محفوظ» بالخفض صفة ل لَوْحٍ المشهور بهذه الصفة، وقرأ نافع وحده بخلاف عنه وابن محيصن والأعرج :«محفوظ» بالرفع صفة القرآن على نحو قوله تعالى :
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر : ٩]، أي هو محفوظ في القلوب، لا يدركه الخطأ والتعديل، وقال أنس : إن اللوح المحفوظ هو في جبهة إسرافيل، وقيل : هو من درة بيضاء قاله ابن عباس، وهذا كله مما قصرت به الأسانيد، وقرأ ابن السميفع :«في لوح» بضم اللام.
نجز تفسير سورة الْبُرُوجِ والحمد للّه رب العالمين.