المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٦٦
وقوله تعالى : إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ الضمير في إِنَّهُ للّه تعالى، واختلف المفسرون في الضمير في رَجْعِهِ، فقال قتادة وابن عباس : هو على الْإِنْسانُ أي على رده حيا بعد موته، وقال الضحاك :
هو عائد على الْإِنْسانُ لكن المعنى يرجعه ماء كما كان أولا، وقال الضحاك أيضا : يرد من الكبر إلى الشباب، وقال عكرمة ومجاهد : هو عائد على الماء، أي يرده في الإحليل، وقيل في الصلب، والعامل في يَوْمَ على هذين القولين الأخيرين فعل مضمر تقديره اذكر يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ، وعلى القول الأول، وهو أظهر الأقوال وأبينها، اختلفوا في العامل في يَوْمَ، فقيل : العامل ناصِرٍ من قوله تعالى : وَلا ناصِرٍ، وقيل العامل الرجع في قوله تعالى : عَلى رَجْعِهِ، قالوا وفي المصدر من القوة بحيث يعمل وإن حال خبر ان بينه وبين معموله، وقال الحذاق العامل فعل مضمر تقديره : إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ، فرجعه يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ، وكل هذه الفرق فسرت من أن يكون العامل «قادر»، لأن ذلك يظهر منه تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده، وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب، جاز أن يكون العامل «قادر»، وذلك أنه قال : إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ، أي على الإطلاق أولا وآخرا وفي كل وقت، ثم ذكر تعالى وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار لأنه وقت الجزاء والوصل إلى العذاب ليجتمع الناس إلى حذره والخوف منه، وتُبْلَى السَّرائِرُ معناه : تختبر وتكشف بواطنها، وروى أبو الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : أن السَّرائِرُ التي يبتليها اللّه تعالى من العباد : التوحيد والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة.
قال القاضي أبو محمد : هذه عظم الأمر، وقال قتادة : الوجه في الآية، العموم في جميع السرائر، وليس يمتنع في الدنيا من المكاره إلا بأحد الوجهين : إما بقوة في ذات الإنسان، وإما بناصر خارج عن ذاته، فأخبره اللّه تعالى عن الإنسان أنه يعدمها يوم القيامة، فلا يعصمه من أمر اللّه شيء.
قوله عز وجل :
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١١ الى ١٧]
وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥)
وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
السَّماءِ في هذا القسم يحتمل أن تكون المعروفة، ويحتمل أن تكون السحاب، والرَّجْعِ المطر وماؤه، ومنه قول الهذلي :[السريع ]
أبيض كالرجع رسوب إذا ما شاخ من محتفل يختلي
وقال ابن عباس : الرَّجْعِ، السحاب فيه المطر، قال الحسن : لأنه يرجع بالرزق كل عام، قال غيره لأنه يرجع إلى الأرض، وقال ابن زيد : الرَّجْعِ مصدر رجوع الشمس والقمر والكواكب من حال إلى حال، ومنه منزلة تذهب وترجع، والصَّدْعِ : النبات، لأن الأرض تتصدع عنه، وهذا قول من قال : إن الرَّجْعِ المطر، وقال مجاهد : الصَّدْعِ : ما في الأرض من شعاب ولصاب وخندق وتشقق