المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٧
قوله عز وجل :
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٠ الى ١٤]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)
هذه أوصاف فعل، وهي نعم من اللّه تعالى على البشر، تقوم بها الحجة على كل كافر مشرك باللّه تعالى.
وقوله : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ليس من قول المسئولين، بل هو ابتداء إخبار من اللّه تعالى.
وقرأ جمهور الناس :«مهادا» وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش :«مهدا»، والمعنى واحد، أي يتمهد ويتصرف فيها.
والسبل : الطرق. و: تَهْتَدُونَ معناه في المقاصد من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر، ويحتمل أن يريد : تَهْتَدُونَ بالنظر والاعتبار.
وقوله تعالى : مِنَ السَّماءِ هو المطر بإجماع، واختلف المتأولون في معنى قوله : بِقَدَرٍ فقالت فرقة معناه : بقضاء وحتم في الأزل. وقال آخرون المعنى : بقدر في الكفاية للصلاح لا إكثار فيفسد ولا قلة فيقصر، بل غيثا مغيثا سبيلا نافعا. وقالت فرقة معناه : بتقدير وتحرير، أي قدرا معلوما، ثم اختلف قائلو هذه المقالة، فقال بعضهم : ينزل كل عام ماء قدرا واحدا لا يفضل عام عاما، لكن يكثر مرة هنا ومرة هاهنا. وقالت فرقة : بل ينزل اللّه تقديرا ما في عام، وينزل في آخر تقديرا آخر بحسب ما سبق به قضاؤه، لا إله غيره. و: «أنشرنا» معناه : أحيينا، يقال : نشر الميت، وأنشره اللّه. و: بَلْدَةً اسم جنس، ووصفها ب مَيْتاً دون ضمير من حيث هي واقعة موقع قطر ونحوه، إذ التأنيث فيها غير حقيقي.
وقرأ الجمهور :«ميتا» بسكون الياء. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع :«ميّتا» بياء مكسورة مشددة، وهي قراءة عيسى بن عمر، والأول أرجح لشبه لفظها : بزور، وعدل، فحسن وصف المؤنث بها.
وقرأ أكثر السبعة والأعرج وأبو جعفر :«كذلك تخرجون» بضم التاء وفتح الراء. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وعبد اللّه بن جبير المصيح :«و كذلك تخرجون» بفتح التاء وضم الراء.
و: الْأَزْواجَ الأنواع من كل شيء، ومِنَ في قوله : مِنَ الْفُلْكِ للتبعيض، وذلك أنه لا يركب من الأنعام غير الإبل، وتدخل الخيل والبغال والحمير فيما يركب بالمعنى. واللام في قوله :
لِتَسْتَوُوا لام الأمر، ويحتمل أن تكون لام كي، وما في قوله : ما تَرْكَبُونَ واقعة على النوع