المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٧٣
فيكون كتضرب، ويحتمل أن يكون من أصليت، فتكون كتكرم، وقرأ بعض الناس :«تصلّى» بضم التاء وفتح الصاد وشد اللام على التعدية بالتضعيف، حكاها أبو عمرو بن العلاء، و«الحامية»، المتوقدة المتوهجة، و«الآنية» : التي قد انتهى حرها كما قال تعالى : وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن : ٤٤]، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، وقال ابن زيد : معنى آنِيَةٍ : حاضرة لهم من قولك آن الشيء إذا حضر، واختلف الناس في «الضريع»، فقال الحسن وجماعة من المفسرين : هو الزقوم، لأن اللّه تعالى قد أخبر في هذه الآية أن الكفار لا طعام لهم إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ، وقد أخبر أن الزقوم طعام الأثيم، فذلك يقتضي أن الضريع الزقوم، وقال سعيد بن جبير «الضريع» : الحجارة. وقال مجاهد وابن عباس وقتادة وعكرمة :
«الضريع» شبرق النار، وقال أبو حنيفة :«الضريع» الشبرق وهو مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه شحما ولا لحما، ومنه قول أبي عيزارة الهذلي :[الطويل ]
وحبسن في هزم الضريع فكلها جرباء دامية اليدين حرود
وقال أبو ذؤيب :
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى وعاد ضريعا بان منه الخائض
وقيل «الضريع» : العشرق. وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«الضريع» : شوك في النار، وقال بعض اللغويين :«الضريع» يبيس العرفج إذا تحطم، وقال آخرون : هو رطب العرفج، وقال الزجاج : هو نبت كالعوسج، وقال بعض المفسرين :«الضريع» نبت في البحر أخضر منتن مجوف مستطيل له بورقية كثيرة، وقال ابن عباس :«الضريع» : شجر من نار. وكل من ذكر شيئا مما ذكرناه فإنما يعني أن ذلك من نار ولا بد، وكل ما في النار فهو نار. وقال قوم : ضَرِيعٍ واد في جهنم، وقال جماعة من المتأولين :
«الضريع» طعام أهل النار ولم يرد أن يخصص شيئا مما ذكرناه، وقال بعض اللغويين : وهذا لا تعرفه العرب، وقيل :«الضريع» : الجلدة التي على العظم تحت اللحم، ولا أعرف من تأول الآية بهذا، وأهل هذه الأقاويل يقولون الزقوم لطائفة، والضريع لطائفة والغسلين لطائفة، واختلف في المعنى الذي سمي ضريعا فقيل هو ضريع بمعنى مضرع أي مضعف للبدن مهزل. ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم في ولد جعفر بن أبي طالب :«ما لي أراهما ضارعين»؟ يريد هزيلين، ومن فعيل بمعنى مفعل قول عمرو بن معد يكرب :[الوافر]
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد السمع، وقيل ضَرِيعٍ فعيل من المضارعة، أي الاشتباه لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به. ولما ذكر تعالى وجوه أهل النار، عقب ذلك بذكره وجوه أهل الجنة ليبين الفرق، وقوله تعالى : لِسَعْيِها يريد لعملها في الدنيا وطاعتها، والمعنى لثواب سعيها والتنعيم عليه، ووصف الجنة بالعلو وذلك يصح من جهة المسافة والمكان ومن جهة المكانة والمنزلة أيضا، وقرأ نافع وحده وابن كثير وأبو عمرو بخلاف عنهما والأعرج وأهل مكة والمدينة «لا تسمع فيها لاغية» أي ذات لغو، فهي على النسب، وفسره بعضهم على معنى لا تسمع فيها فئة أو جماعة لاغية ناطقة بسوء. قال أبو عبيدة :