المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤٨٨
النَّهارِ، ويحتمل أن يكون الفاعل اللّه تعالى كأنه قال : والنهار إذا جلى اللّه الشمس، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته، ويغشى معناه : يغطي : والضمير للشمس على تجوز في المعنى أو للأرض، وقوله تعالى :
وَما بَناها وكل ما بعده من نظائره في السورة، يحتمل أن يكون ما فيه بمعنى الذي قال أبو عبيدة : أي ومن بناها، وهو قول الحسن ومجاهد، لأن ما، تقع عامة لمن يعقل ولما لا يعقل، فيجيء القسم بنفسه تعالى، ويحتمل أن تكون ما في جميع ذلك مصدرية، قاله قتادة والمبرد والزجاج كأنه قال والسماء وبنيانها، و«طحا» بمعنى «دحا» و«طحا» أيضا في اللغة بمعنى ذهب كل مذهب، ومنه قول علقمة بن عبدة :[الطويل ]
طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عمر حان مشيب
والنفس التي أقسم بها، اسم الجنس، وتسويتها إكمال عقلها ونظرها، ولذلك ربط الكلام بقوله تعالى : فَأَلْهَمَها الآية، فالفاء تعطي أن التسوية هي هذا الإلهام، ومعنى قوله تعالى : فُجُورَها وَتَقْواها أي عرفها طرق ذلك وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور أو اكتساب التقوى، وجواب القسم في قوله قَدْ أَفْلَحَ، التقدير : لقد أفلح، والفاعل ب «زكى» يحتمل أن يكون اللّه تعالى، وقاله ابن عباس وغيره كأنه قال : قد أفلحت الفرقة أو الطائفة التي زكاها اللّه تعالى، ومَنْ : تقع على جمع وإفراد، ويحتمل أن يكون الفاعل ب «زكى» الإنسان وعليه تقع مَنْ وقاله الحسن وغيره، كأنه قال : قَدْ أَفْلَحَ من زكى نفسه أي اكتسب الزكاء الذي قد خلقه اللّه، وزَكَّاها معناه : طهرها ونماها بالخيرات، ودَسَّاها معناه : أخفاها وحقرها أي وصغر قدرها بالمعاصي والبخل بما يجب، يقال دسا يدسو ودسّى بشد السين يدسي وأصله دسس، ومنه قول الشاعر :[الطويل ]
ودسست عمرا في التراب فأصبحت حلائله يبكين للفقد ضعفا
ويروى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال :«اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها»، هذا الحديث يقوي أن المزكي هو اللّه تعالى، وقال ثعلب معنى الآية وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها في أهل الخير بالرياء وليس منهم في حقيقته، ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه، ذكر فرقة فعلت ذلك يعتبر بهم وينتهى عن مثل فعلهم، و«الطغوى» مصدر، وقرأ الحسن وحماد بن سليمان «بطغواها» بضم الطاء مصدر كالعقبى والرجعى، وقال ابن عباس :«الطغوى» هنا العذاب كذبوا به حتى نزل بهم، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى : فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة : ٥]، وقال جمهور المتأولين الباء سببية، والمعنى كذبت ثمود بنبيها بسبب طغيانها وكفرها، وانْبَعَثَ عبارة عن خروجه إلى عقر الناقة بنشاط وحرص، وأَشْقاها هو قد أربى سالف وهو أحد التسعة الرهط المفسدين، ويحتمل أن يقع أَشْقاها على جماعة حاولت العقر، ويروى أنه لم يفعل فعله بالناقة حتى مالأه عليه جميع الحي، فلذلك قال تعالى : فَعَقَرُوها لكونهم متفقين على ذلك ورسول اللّه صالح عليه السلام، وقوله تعالى : ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها نصب بفعل مضمر تقديره احفظوا أو ذروا أو احذروا على معنى : احذروا الإخلال بحق ذلك، وقد تقدم أمر الناقة والسقيا في غير هذه السورة بما أغنى عن إعادتها، وقدم تعالى التكذيب على العقر لأنه