المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥٠٨
بالعدل وهو بناء مبالغة، فإلى قَيِّمَةٌ هو ذكر من آمن من الطائفتين، ثم ذكر تعالى مذمة من لم يؤمن من أهل الكتاب من بني إسرائيل من أنهم لم يتفرقوا في أمر محمد إلا من بعد ما رأوا الآيات الواضحة، وكانوا من قبل مصفقين على نبوته وصفته، فلما جاء من العرب حسدوه، وقرأ جمهور الناس :«مخلصين» بكسر اللام، وقرأ الحسن بن أبي الحسن :«مخلصين» بفتح اللام، وكأن الدِّينَ على هذه القراءة منصوب ب بَعْدِ أو بمعنى يدل عليه على أنه كالظرف أو الحال، وفي هذا نظر، وقيل لعيسى عليه السلام : من المخلص للّه؟ قال الذي يعمل العمل للّه ولا يحب أن يحمده الناس عليه، وحُنَفاءَ : جمع حنيف وهو المستقيم المائل إلى طرق الخير، قال ابن جبير : لا تسمي العرب حنيفا إلا من حج واختتن، وقال ابن عباس : حُنَفاءَ : حجاجا مسلمين، وحُنَفاءَ نصب على الحال، وكون «الصلاة» مع «الزكاة» في هذه الآية مع ذكر بني إسرائيل فيها يقوي من قول السورة مدنية، لأن الزَّكاةَ فرضت بالمدينة، ولأن النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما دفع لمناقضة أهل الكتاب بالمدينة، وقرأ الجمهور :«و ذلك دين القيمة» على معنى الجماعة القيمة أو الفرقة القيمة، وقال محمد بن الأشعث الطالقاني : هنا الكتب التي جرى ذكرها، وقرأ بعض الناس :«و ذلك الدين القيمة»، فالهاء في «القيمة» على هذه القراءة كعلامة ونسابة، ويتجه ذلك أيضا على أن يجعل الدِّينَ بمنزلة الملة.
قوله عز وجل :
[سورة البينة (٩٨) : الآيات ٦ الى ٨]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)
حكم اللّه في هذه الآية بتخليد الكافرين من أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ وهم عبدة الأوثان في النار وبأنهم شَرُّ الْبَرِيَّةِ، و«البرية» جميع الخلق لأن اللّه تعالى برأهم أو أوجدهم بعد العدم، وقرأ نافع وابن عامر والأعرج :«البريئة» بالهمز من برأ، وقرأ الباقون والجمهور :«البريّة» بشد الياء بغير همز على التسهيل، والقياس الهمز إلا أن هذا مما ترك همزه كالنبي والذرية، وقرأ بعض النحويين :«البرية» مأخوذ من البراء وهو التراب، وهذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ وغلطا وهو اشتقاق غير مرضي، والَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ شروط جميع أمة محمد، ومن آمن بنبيه من الأمم الماضية، وقرأ بعض الناس «خير».
وقرأ بعض قراء مكة :«خيار» بالألف، وروي حديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية :«أولئك هم خير البريئة».
ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه «أنت يا علي وشيعتك من خير البرية»، ذكره الطبري، وفي الحديث : أن رجلا قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم :«يا خير البرية»، فقال له : ذلك إبراهيم عليه السلام، وقوله تعالى : جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فيه حذف مضاف تقديره سكنى


الصفحة التالية
Icon