المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥١٢
سعد بن أبي وقاص سائلا ثمرتين فقبض السائل يده فقال له سعد : ما هذا؟ إن اللّه تعالى قبل منا مثاقيل الذر وفعلت نحو هذا عائشة في حبة عنب وسمع هذه الآية صعصعة بن عقال التيمي عند النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال : حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها، وسمعها رجل عند الحسن، فقال : انتهت الموعظة، فقال الحسن : فقه الرجل، وقرأ هشام عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم :«يره»، بسكون الهاء في الأولى والأخيرة، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي ونافع فيما روى عنه ورش والحلواني عن قالون عنه في الأولى «يرهو»، وأما الآخرة فإنه سكون وقف، وأما من أسكن الأولى فهي على لغة من يخفف أمثال هذا ومنه قول الشاعر :
ونضواي مشتاقان له أرقان وهذه على لغة لم يحكها سيبويه، لكن حكاها الأخفش، وقرأ أبو عمرو :«يره» بضم الهاء فيهما مشبعتان، وقرأ أبان عن عاصم وابن عباس وأبو حيوة وحميد بن الربيع عن الكسائي :«يره»، بضم الياء، وهي رؤية بصره بمعنى : يجعل يدركه ببصره، والمعنى : يرى جزاءه وثوابه، لأن الأعمال الماضية لا ترى بعين أبدا، وهذا الفعل كله هو من رأيت بمعنى أدركت ببصري، فتعديه إنما هو إلى مفعول واحد، وقرأ عكرمة :«خيرا يراه» و«شرا يراه»، وقال النقاش : ليست برؤية بصر، وإنما المعنى يصيبه ويناله، ويروى أن هذه السورة نزلت وأبو بكر يأكل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم، فترك أبو بكر الأكل وبكى، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما يبكيك، فقال : يا رسول اللّه : أو أسأل عن مثاقيل الذر؟ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا أبا بكر : ما رأيت في الدنيا مما تكره، فمثاقيل ذر الشر ويدخر اللّه لك مثاقيل ذر الخير إلى الآخرة، و«الذرة» نملة صغيرة حمراء رقيقة لا يرجح لها ميزان، ويقال إنها تجري إذا مضى لها حول، وقد تؤول ذلك في قول امرئ القيس :[الطويل ]
من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا
وحكى النقاش أنهم قالوا : كان بالمدينة رجلان، أحدهما لا يبالي عن الصغائر يرتكبها، وكان الآخر : يريد أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من الصدقة، فنزلت الآية فيهما، كأنه يقال لأحدهما :
تصدق باليسير، فإن مثقال ذرة الخير ترى، وقيل للآخر : كف عن الصغائر فإن مقادير ذر الشر ترى.
نجز تفسيرها والحمد للّه كثيرا.


الصفحة التالية
Icon