المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥١٩
جمهور الناس، وقال علي بن أبي طالب :«كلا ستعلمون في القبور ثم كلا ستعلمون في البعث»، وقال الضحاك : الزجر الأول وعيده هو للكفار والثاني للمؤمنين، وقرأ مالك بن دينار :«كلا ستعلمون» فيهما، وقوله تعالى : كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ جواب لَوْ محذوف مقدر في القول أي لازدجرتم وبادرتم إنقاذ أنفسكم من الهلكة، و«اليقين» أعلى مراتب العلم، ثم أخبر تعالى الناس أنهم يرون الجحيم، وقرأ ابن عامر والكسائي :«لترون» بضم التاء، وقرأ الباقون بفتحها وهي الأرجح، وكذلك في الثانية، وقرأ علي بن أبي طالب بفتح التاء الأولى وضمها في الثانية، وروي ضمها عن ابن كثير وعاصم، و«ترون» أصله ترأيون نقلت حركة الهمزة إلى الراء وقلبت الياء ألفا لحركتها بعد مفتوح، ثم حذفت الألف لسكونها.
وسكون الواو بعدها ثم جلبت النون المشددة فحركت الواو بالضم لسكونها وسكون النون الأولى من المشددة إذ قد حذفت نون الإعراب للبناء، وقال ابن عباس : هذا خطاب للمشركين، فالمعنى على هذا أنها رؤية دخول. وصلي وهو عَيْنَ الْيَقِينِ، وقال آخرون : الخطاب للناس كلهم، فهي كقوله تعالى :
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم : ٧١]، فالمعنى أن الجميع يراها، ويجوز الناجي ويتكردس فيها الكافر، وقوله تعالى : ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ تأكيدا في الخبر، وعَيْنَ الْيَقِينِ حقيقته وغايته، وروي عن الحسن وأبي عمرو أنهما همزا «لترؤن» ولترؤنها» بخلاف عنهما، وروى ابن كثير :«ثم لترونها» بضم التاء، ثم أخبر تعالى أن الناس مسؤولون يومئذ عن نعيمهم في الدنيا كيف نالوه ولم آثروه وتتوجه في هذا أسئلة كثيرة بحسب شخص شخص من منقادة لمن أعطي فهما في كتاب اللّه تعالى، وقال ابن مسعود والشعبي وسفيان ومجاهد : النَّعِيمِ هو الأمن والصحة، وقال ابن عباس : هو البدن والحواس يسأل المرء فيما استعملها، وقال ابن جبير : هو كل ما يتلذذ به من طعام وشراب، وأكل رسول اللّه عليه السلام هو وبعض أصحابه رطبا وشربوا عليها ماء فقال لهم :«هذا من النعيم الذي تسألون عنه» ومضى يوما عليه السلام هو وأبو بكر وعمر وقد جاؤوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان فذبح لهم شاة وأطعمهم خبزا ورطبا واستعذب لهم ماء وكانوا في ظل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«و الذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم»، وروي عنه عليه السلام أنه قال :«النعيم المسئول عنه كسرة تقوته والماء يرويه وثوب يواريه»، وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «أن النعيم المسئول عنه الماء البارد في الصيف»، وقال عليه السلام :«من أكل خبز البر وشرب الماء البارد فذلك النعيم الذي يسأل عنه»، وقال عليه السلام :«بيت يكنك وخرقة تواريك وكسرة تشد قلبك، وما سوى ذلك فهو نعيم». وقال النبي عليه السلام :«كل نعيم فهو مسؤول عنه إلا نعيم في سبيل اللّه عز وجل».
نجز تفسير سورة التَّكاثُرُ