المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥٣١
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة الكافرونوهي مكية إجماعا.
قوله عز وجل :
[سورة الكافرون (١٠٩) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤)وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)
قرأ أبي بن كعب وابن مسعود :«قل للذين كفروا»، وروي في سبب نزول هذه السورة عن ابن عباس وغيره أن جماعة من عتاة قريش ورجالاتها قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : دع ما أنت فيه ونحن نمولك ونزوجك من شئت من كرائمنا ونملكك علينا، وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا ولنعبد إلهك حتى نشترك، فحيث كان الخير نلناه جميعا، هذا معنى قولهم ولفظهم، لكن للرواة زيادة ونقص، وروي أن هذه الجماعة المذكورة الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبو جهل وابنا الحجاج ونظراؤهم ممن لم يسلم بعد، ولرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معهم في هذه المعاني مقامات نزلت السورة في إحداها بسبب قولهم هلم نشترك في عبادة إلهك وآلهتنا، وروي أنهم قالوا : اعبد آلهتنا عاما، ونعبد إلهك عاما، فأخبرهم عن أمره عز وجل أن لا يعبد ما يعبدون وأنهم غير عابدين ما يعبد، فلما كان قوله : لا أَعْبُدُ محتملا أن يراد به الآن ويبقى المستأنف منتظرا ما يكون فيه من عبادته جاء البيان بقوله : وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ، أي أبدا وما حييت، ثم جاء قوله : وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ الثاني حتما عليهم أنهم لا يؤمنون به أبدا كالذي كشف الغيب، فهذا كما قيل لنوح صلى اللّه عليه وسلم : إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وأما أن هذا في معنيين وقوم نوح عمموا بذلك، فهذا، معنى الترديد الذي في السورة وهو بارع الفصاحة وليس بتكرار فقط، بل فيه ما ذكرته مع التأكيد والإبلاغ، وزاد الأمر بيانا وتبريا منهم، وقوله : لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ وفي هذا المعنى الذي عرضت قريش نزل أيضا : قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ [الزمر : ٦٤] وقرأ أبو عمر :«ولي ديني» ساكنة الياء، من لي ونصبها الباقون بخلاف كل واحد منهم، والقراءتان حسنتان، وقرأ أبو عمرو :«عابد» و«عابدون»، و
الباقون : بفتح العين وهاتان حسنتان أيضا، ولم تختلف السبعة في حذف الياء من دين، وقرأ سلام ويعقوب :«ديني» بياء في الوصل والوقف، وقال بعض العلماء في هذه الألفاظ مهادنة ما وهي منسوخة بآية القتال.