المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٥٣٥
كفره، وانتزع أهل الأصول من هذه الآية تكليف ما لا يطاق، وأنه موجود في قصة أبي لهب، وذلك أنه مخاطب مكلف أن يؤمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، ومكلف أن يؤمن بهذه السورة وصحتها، فكأنه قد كلف أن يؤمن، وأن يؤمن أنه لا يؤمن، قال الأصوليون ومتى ورد تكليف ما لا يطاق فهي أمارة من اللّه تعالى أنه قد حتم عذاب ذلك المكلف كقصة أَبِي لَهَبٍ، وقرأ الجمهور «سيصلى» بفتح الياء، وقرأ ابن كثير والحسن وابن مسعود بضمها، وقوله تعالى : وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وعطف قوله وَامْرَأَتُهُ على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها، وقال ابن عباس : كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى اللّه عليه وسلم وطريق أصحابه ليعقرهم، فلذلك سميت حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، وعلى هذا التأويل، ف حَمَّالَةَ معرفة يراد به الماضي، وقيل إن قوله حَمَّالَةَ الْحَطَبِ استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها، ف حَمَّالَةَ على هذا نكرة، يراد بها الاستقبال، وقيل هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين، كما تقول : فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين، وقال الشاعر :[الرجز]
إن بني الأدرم حمالوا الحطب هم الوشاة في الرضى وفي الغضب
وقرأ ابن مسعود :«و مرياته»، وقرأ الجمهور :«حمالة» بالرفع، وقرأ عاصم :«حمالة» بالنصب على الذم، وهي قراءة الحسن والأعرج وابن محيصن، وقرأ ابن مسعود :«حمالة للحطب» بالرفع ولام الجر، وقرأ أبو قلابة :«حاملة» الميم بعد الألف، وقوله : فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، قال ابن عباس والضحاك والسدي وابن زيد : الإشارة إلى الحبل حقيقة الذي ربطت به الشوك وحطبه، قال السدي :«المسد» الليف، وقيل : ليف المقل ذكره أبو الفتح وغيره، وقال ابن زيد : هو شجر باليمن يسمى المسد، تصنع منه الحبال، وقال النابغة :[البسيط]
مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد
القعو : البكرة، والمسد : الحبل، وقال عروة بن الزبير وسفيان ومجاهد وغيرهم : هذا الكلام استعارة والمراد سلسلة من حديد في جهنم ذرعها سبعون ذراعا، ونحو هذا من العبارات، وقال قتادة : حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، قلادة من ودع، قال ابن المسيب : كان لها قلادة فاخرة فقالت : لأنفقنها على عداوة محمد.
قال القاضي أبو محمد : فإنما عبر عن قلادتها ب حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ على جهة التفاؤل لها، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث، وروي في هذا الحديث أن هذه السورة لما نزلت وقرئت، بلغت أم جميل فجاءت أبا بكر وهو مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في المسجد، فقالت : يا أبا بكر : بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وإني شاعرة وقد قلت فيه :[الرجز] مذمما قلينا ودينه أبينا فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى اللّه شرها».


الصفحة التالية
Icon