المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٧٠
يَغْشَى معناه : يغطي.
وقوله تعالى : هذا عَذابٌ أَلِيمٌ يحتمل أن يكون إخبارا من اللّه تعالى، كأنه يعجب منه على نحو من قوله تعالى لما وصف قصة الذبح : إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات : ١٠٦]، ويحتمل أن يكون هذا عَذابٌ أَلِيمٌ من قول الناس، كأن تقدير الكلام : يقولون هذا عذاب أليم، ويؤيد هذا التأويل سياقه حكاية عنهم أنهم يقولون رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، وعلم اللّه تعالى أن قولهم في حال الشدة إِنَّا مُؤْمِنُونَ إنما هو عن غير حقيقة منهم، فدل على ذلك بقوله : أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى، أي من أين لهم أن يتذكروا وهم قد تركوا الذكرى وراء ظهورهم بأن جاءهم رسول مبين، وهو محمد عليه السلام فكفروا به. وتَوَلَّوْا عَنْهُ أي أعرضوا، وقالوا إنه يعلم هذا الكلام الذي يتلو وأنه مَجْنُونٌ، وإخباره تعالى بأنه يكشف عنهم الْعَذابِ قَلِيلًا إخبار عن إقامة الحجة عليهم ومبالغة في الإملاء لهم، ثم أخبرهم بأنهم عائدون إلى الكفر. وقال قتادة : هو توعد بمعاد الآخرة، ثم أخبرهم بأنه ينتقم منهم بسبب هذا كله في يوم البطشة، وقدم اليوم وذكره على الذي عمل فيه تهمما به وتخويفا منه، والعامل فيه مُنْتَقِمُونَ، وقد ضعف البصريون هذا من حيث هو خبر إن، وأبعدوا أن يعمل خبرها فيما قبلها، وقالوا العامل فعل مضمر يدل عليه مُنْتَقِمُونَ.
واختلف الناس في يوم الْبَطْشَةَ الْكُبْرى، فقال ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة : هو يوم القيامة وقال عبد اللّه بن مسعود وابن عباس أيضا وأبي بن كعب ومجاهد : هو يوم بدر.
وقرأ جمهور الناس :«نبطش» بفتح النون وكسر الطاء. وقرأ الحسن بن أبي الحسن : بضم الطاء.
وقرأ الحسن أيضا وأبو رجاء وطلحة بن مصرف : بضم النون وكسر الطاء، ومعناها : نسلط عليهم من يبطش بهم، ثم ذكر تعالى قوم فرعون على جهة المثال لقريش.
و: فَتَنَّا معناه : امتحنا واختبرنا. والرسول الكريم : قال قتادة : هو موسى عليه السلام، ومعنى الآية يعطي ذلك بلا خلاف وهنا متروك يدل عليه الظاهر، تقديره قال لهم : أَدُّوا هذا، مأخوذ من الأداء، كأنه يقول : أن ادفعوا إلي وأعطوني ومكنوني.
واختلف المتأولون في الشيء المؤدى في هذه الآية ما هو؟ فقال مجاهد وابن زيد وقتادة : طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل وإياهم أراد بقوله : عِبادَ اللَّهِ وقال ابن عباس المعنى : اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحق، فقوله : عِبادَ اللَّهِ منادى مضاف، والمؤدى هي الطاعة والإيمان والأعمال.
قال القاضي أبو محمد : والظاهر من شرع موسى عليه السلام أنه بعث إلى دعاء فرعون إلى الإيمان،