المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٨٧
لأن التكسب فيها منصوص عليه في قوله : اتَّخَذَ وفي قوله : عَلى عِلْمٍ على التأويل الأخير فيه، ولو لم ينص على الاكتساب لكان مرادا في المعنى.
وقرأ أكثر القراء «غشاوة» بكسر الغين. وقرأ عبد اللّه بن مسعود :«غشاوة» بفتح الغين وهي لغة ربيعة، وحكي عن الحسن وعكرمة :«غشاوة» بضم الغين وهي لغة عكل، وقرأ حمزة والكسائي :«غشوة» بفتح الغين وإسكان الشين. وقرأ الأعمش وابن مصرف بكسر الغين دون ألف.
وقوله : مِنْ بَعْدِ اللَّهِ فيه حذف مضاف تقديره : من بعد إضلال اللّه إياه.
وقرأ عاصم وأراه الجحدري :«تذكرون» بتخفيف الذال. وقرأ جمهور الناس :«تذكرون» على الخطاب أيضا بتشديد الذال. وقرأ الأعمش :«تتذكرون» بتاءين.
وقوله تعالى : وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا الآية حكاية مقالة بعض قريش، وهذه صنيفة دهرية من كفار العرب. ومعنى قولهم : ما في الوجود إلا هذه الحياة التي نحن فيها وليست ثم آخرة ولا بعث.
واختلف المفسرون في معنى قولهم : نَمُوتُ وَنَحْيا فقالت فرقة المعنى : نحن موتى قبل أن نوجد، ثم نحيا في وقت وجودنا. وقالت فرقة : المعنى : نَمُوتُ حين نحن نطف ودم، ثم نَحْيا بالأرواح فينا، وهذا قول قريب من الأول، ويسقط على القولين ذكر الموت المعروف الذي هو خروج الروح من الجسد، وهو الأهم في الذكر. وقالت فرقة المعنى نحيا ونموت، فوقع في اللفظ تقديم وتأخير. وقالت فرقة :
الغرض من اللفظ العبارة عن حال النوع، فكأن النوع بجملته يقول : إنما نحن تموت طائفة وتحيا طائفة دأبا.
وقولهم : وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ أي طول الزمان هو المهلك، لأن الآفات تستوي فيه كمالاتها، فنفى اللّه تعالى علمهم بهذا وأعلم أنها ظنون وتخرص تفضي بهم إلى الإشراك باللّه تعالى. والدَّهْرُ والزمان تستعمله الغرب بمعنى واحد. وفي قراءة ابن مسعود :«و ما يهلكنا إلا دهر يمر». وقال مجاهد :
الدَّهْرُ هنا الزمان، وروى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال : كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار، ويفارق هذا الاستعمال قول النبي عليه السلام :«لا تسبوا الدهر، فإن اللّه تعالى هو الدهر» وفي حديث آخر :«قال اللّه تعالى يسب ابن آدم الدهر، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار»، ومعنى هذا الحديث : فإن اللّه تعالى يفعل ما تنسبونه إلى الدهر وتسبونه بسبه. وإذا تأملت مثالات هذا في الكلام ظهرت إن شاء اللّه تعالى.
قوله عز وجل :
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)