المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٩٤
واختلف الناس في قوله : ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ، فقال ابن عباس وأنس بن مالك والحسن وقتادة وعكرمة : معناه : في الآخرة، وكان هذا في صدر الإسلام، ثم بعد ذلك عرفه اللّه تعالى بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبأن المؤمنين لهم من اللّه فضل كبير وهو الجنة، وبأن الكافرين في نار جهنم، والحديث الذي وقع في جنازة عثمان بن مظعون يؤيده هذا وهو قوله :«فو اللّه ما أدري وأنا رسول اللّه ما يفعل بي»، وفي بعض الرواية :«به»، ولا حجة في الحديث على رواية «به»، والمعنى عندي في هذا القول أنه لم تكشف له الخاتمة فقال لا أدري؟ وأما ان من وافى على الإيمان فقد أعلم بنجاته من أول الرسالة وإلا فكان للكفار أن يقولوا : وكيف تدعونا إلى ما لا تدري له عاقبة، وقال الحسن أيضا وجماعة.
معنى الآية : ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ في الدنيا من أن أنصر عليكم أو من أن تمكنوا مني، ونحو هذا من المعنى. وقالت فرقة : معنى الآية : ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ من الأوامر والنواهي وما تلزم الشريعة من أعراضها. وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال : نزلت الآية في أمر كان النبي صلى اللّه عليه وسلم ينتظره من اللّه في غير الثواب والعقاب، وروي عن ابن عباس أنه لما تأخر خروج النبي عليه السلام من مكة حين رأى في النوم أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وسبخة، قلق المسلمون لتأخر ذلك، فنزلت هذه الآية.
وقوله : إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ معناه : الاستسلام والتبري من علم المغيبات والوقوف مع النذارة من عذاب اللّه عز وجل :
قوله عز وجل :
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)
هذه الآية توقيف على الخطر العظيم الذي هم بسبيله في أن يكذبوا بأمر نافع لهم منج من العذاب دون حجة ولا دليل لهم على التكذيب، فالمعنى كيف حالكم مع اللّه، وماذا تنتظرون منه وأنتم قد كفرتم بما جاء من عنده، وجواب هذا التوقيف محذوف تقديره : أليس قد ظلمتم، ودل على هذا المقدر قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و: أَرَأَيْتُمْ في هذه الآية يحتمل أن تكون منبهة، فهي لفظ موضوع للسؤال لا يقتضي مفعولا، ويحتمل أن تكون الجملة كانَ وما عملت فيه تسد مسد مفعوليها.
واختلف الناس في المراد ب (الشاهد) فقال الحسن ومجاهد وابن سيرين : هذه الآية مدنية، والشاهد عبد اللّه بن سلام. وقوله : عَلى مِثْلِهِ الضمير فيه عائد على قول محمد عليه السلام في القرآن إنه من عند اللّه. وقال الشعبي : الشاهد رجل من بني إسرائيل غير عبد اللّه بن سلام كان بمكة، والآية مكية.
وقال سعد بن أبي وقاص ومجاهد وفرقة : الآية مكية، والشاهد عبد اللّه بن سلام، وهي من الآيات التي تضمنت غيبا أبرزه الوجود، وقد روي عن عبد اللّه بن سلام أنه قال : فيّ نزلت. وقال مسروق بن الأجدع والجمهور : الشاهد موسى بن عمران عليه السلام، والآية مكية، ورجحه الطبري.


الصفحة التالية
Icon