وفي طيات هذه الآية تحدي، كأنه يقول: تدبر القرآن، وستجده خاليا من التناقضات، ولن تستطيع أن تجد تناقضا واحدا، مما يدلك، أنه من عند الله؛ إذ لو كان من البشر، لكان فيه اختلاف كثير، وتناقض واضح.
فكتاب ينزل على مدار ثلاث وعشرين سنة منجما مفرقا، على النبي (صلى الله عليه وسلم) لا تجد فيه أي تناقض، إن هذا لشيء عجاب، قال ابن كثير -رحمه الله-: (يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن وناهيا لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ومخبرا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق ولهذا قال تعالى "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ثم قال "ولو كان من عند غير الله" أي لو كان مفتعلا مختلفا كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم لوجدوا فيه اختلافا أي اضطرابا وتضادا كثيرا أي وهذا سالم من الاختلاف فهو من عند الله) (١).
وقال القرطبي -رحمه الله-: (ليس من متكلم يتكلم كلاما كثيرا إلا وجد في كلامه اختلاف كثير؛ إما في الوصف واللفظ؛ وإما في جودة المعنى، وإما في التناقض، وإما في الكذب، فأنزل الله عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره؛ لأنهم لا يجدون فيه اختلافا في وصف ولا ردا له في معنى ولا تناقضا ولا كذبا فيما يخبرون به من الغيوب وما يسرون) (٢).
وبهذا استدل جفري لانغ (٣) على صدق القرآن (٤) وأدى إلى
_________
(١) تفسير القرآن العظيم (١/٥٢٩)
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٥/١٨٧).
(٣) تقدمت ترجمته ص ١٠١.
(٤) انظر كتابه الصراع من أجل الإيمان، ص: ٦٦.