يتهمونه بأنه ساحر وتارة مسحور، ولما رأوا بلاغة القرآن قالوا: هذا شعر. فلما اعترض عليهم أن أوزان الشعر معروفة، وهذا ليس على وزن شيء منها، قالوا: كاهن يعني يسجع كسجعهم، فلما اعترض عليهم بأنه لو كان شعرا أو سجعا لكان الناس يستطيعون تقليده، ولكن الواقع أنه لم يستطع أحد فعل ذلك، لاسيما مع استمرار تحديه لهم في كل مناسبة، فقالوا: إنه أضغاث أحلام. ولكن أضغاث الأحلام لا تأتي بهذا الإحكام والتنظيم والإعجاز والبلاغة، فقالوا: إذن يتلقاه من الشياطين. ولكن كيف يتلقاه من الشياطين وهو يلعن الشياطين صباحا ومساء، ولا يستفتح كتابه إلا بالاستعاذة منهم، والشيطان من صفاتها إضلال الناس، وهذا الكتاب يهدي لأقوم سبيل وأفضل طريق، وهناك الكثير من السحرة والكهنة لديهم شياطين ومردة، فلماذا لا يأتون بمثل ما أتى؟ فقالوا: إذن هي أساطير الأولين وقصص السابقين، اكتتبها فهي تملى عليه. ولكن كيف يقال هذا ومحمد لا يقرأ ولا يكتب، بل هو رجل أمي، قالوا: إذن تعلمه من اليهود والنصارى. فقيل لهم: كيف ذلك وهم أعاجم، وهذا لسان عربي مبين، وكلام فصيح بليغ لم يستطع فحول الفصحاء أن يبلغوا منزلته في البلاغة، فكيف لأعجمي أن يأتي به؟ ثم هل اليهود والنصارى تكفر نفسها؟ فعند ذلك حاروا وبهتوا وألجموا ولم يردوا جوابا.
وقد شهد على صحة هذا القرآن أهل الكتاب أنفسهم، كما اشرنا من قبل في مثل قوله تعالى:
﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ﴾ [الأنعام: ١١٤].
وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ () نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ()