الثاني: إن في إنزال المتشابه إظهارا لفضل العلماء وتفاضلهم فيما بينهم، وفيه أيضاً تعريضهم لمزيد من المشقة والصعوبة في معرفة الحق منها، فيعظم أجرهم، ويرتفع عند الله شأنهم.
وأيضاً فإنه يدعوهم لتحصيل علوم كثيرة، نيط بها استنباط ما أريد بالمتشابه من الأحكام الحقة، فتتسع بذلك علومهم. وأيضاً فإنه يدرب العلماء على استنباط المعاني الدقيقة، فتقوى بذلك بصائرهم، ولو أنزل القرآن كله محكماً، لاستوى في معرفته العالم والجاهل، ولم يكن في استنباط ما فيه مشقة توجب عظيم المثوبة (١).
وقال الإمام فخر الدين الرازي: "من الملحدة من طعن في القرآن لأجل اشتماله على المتشابهات. وقال: إنكم تقولون: إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى قيام الساعة. ثم إنا نراه بحيث يتمسك به صاحب كل مذهب على مذهبه، فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الذي هوالمرجوع إليه في كل الدين إلى يوم القيامة هكذا؟
الجواب أن العلماء ذكروا لوقوع المتشابه فيه فوائد منها:
أنه يوجب المشقة في الوصول إلى المراد، وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب (٢).
_________
(١) انظر: تفسير أبي السعود (٢/٨)، الخازن (١/٣٢٠) تفسير أبي الليث السمرقندي (٢/١٣)، تفسير النسفي (١/٢٤٦)، تفسير البيضاوي (٢/٤)، تفسير القرطبي (٤/٨٩) وانظر: كذلك التمهيد لأبي الخطاب (٢/٢٧٦). فتح القدير للشوكاني (١/٣١٨)
(٢) وقد تقدم ذكر هذه الفائدة؛ لذلك لم أرقمها.