والقسم الثاني وهو الذي يكشف لهم في آخر الأمر هو من المحكمات) (١).
ولازم هذا القول أن الله أنزل المتشابه؛ ليضل به جمهور المؤمنين المعظمين للقرآن، باعتقاد ظاهره، ثم بعد ذلك يبين لهم أن ما أُخبرتم به أولاً كان كذبا لمصلحتكم.
القول الثاني: وهو قريب من الأول في البطلان، أو مثله، ونعني قول القاضي عبد الجبار: (ومنها - أي الحِكَم - أن كون القرآن كذلك - أي محكماً ومتشابها - يصرفه أن يعول على تقليده؛ لأنه يرى أنه ليس بأن يقلد كلامه عز وجل في نفي التشبيه؛ لقوله عز وجل: (ليس كمثله شيء (أولى من أن يقلده في خلافه لقوله عز وجل: (وجاء ربك (. فكما أن اختلاف العلماء في الديانات، وقول بعضهم في المذهب بخلاف قول صاحبه، يصرف المميز عن تقليدهم؛ لأنه ليس تقليد بعضهم بأولى من تقليد سائرهم، فكذلك انقسام القرآن إلى الوجهين اللذين ذكرناهما، يصرف من ذلك لا محالة، وما صرف عن التقليد المحرم، وبعث على النظر والاستدلال، فهو في الحكمة أولى) (٢).
وهذا الكلام غاية في البطلان؛ فإن القرآن إنما أنزل ليتبع ويقلد؛ قال تعالى: ﴿وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون﴾ [الأنعام: ١٥٥]، وقال تعالى: ﴿اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم﴾ [الأعراف: ٣] وقال: ﴿واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم﴾ [الزمر: ٥٥]، وقال: ﴿قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلّا ما يوحى إلي﴾ [يونس: ١٥]. وقال: ﴿واتبع ما يوحى إليك من ربك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين﴾ [يونس: ١٠٩].
_________
(١) أساس التقديس ص ١٩٢، وانظر: تفسيرالفخر الرازي أيضاً (٧/١٧٢).
(٢) متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (١/٢٦).


الصفحة التالية
Icon