قوله تعالى :﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [آل عمران : ٥٤].
المكر : أصله الالتفاف، ومنه قولهم لضرب من الشجر : مكر ؛ لالتفافه، وامرأة ممكورة : ملتفة.
ومما يسأل عنه، أن يقال : ما معنى :﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾ ؟ وفي هذا جوابان :
أحدهما : مكروا بالمسيح بالحيلة عليه لقتله، ومكر الله بردتهم بالخيبة ؛ لإلقائه شبه المسيح على غيره. هذا قول السُّدى.
والجواب الثاني : أن المعنى، ومكروا بإضمار الكفر، ومكر الله لمجازاتهم بالعقوبة على المكر.
فإن قيل المكر لا يحسن من الحكيم، قيل : إنما جاز هذا على مزاوجة الكلام، نحو قوله :﴿ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة : ١٩٤]. فهذا أحد وجوه البلاغة، وهي على أربعة أضرب :
أحدها : المزاوجة، نحو :﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾، والمجانسة، نحو قوله :﴿ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور : ٣٧]، والمطابقة، نحو ﴿ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا ﴾ [النحل : ٣٠] بالنصب على مطابقة السؤال، والمقابلة، نحو قوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾ [القيامة : ٢٢-٢٥].
قوله تعالى :﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران : ٥٥]
التوفي : القبض، يقال : توفيت حقي واستوفيت بمعنى واحد.


الصفحة التالية
Icon