قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - ﷺ - قال لجبريل - عليه السلام - حين جاءه : لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظناً، فقال له جبريل : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك، وما كان ربك نسبا، فافتتح السورة تعالى : بحمده، وذكر نبوة رسول الله لما أنكروه عليه من ذلك فقال :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ يعني : محمداً، إنك رسول مني، أي : تحقيق لما سألوا عنه من نبوتك، ﴿ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾، أي معتدلاً لا اختلاف فيه، ﴿ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ ﴾، أي : عاجل عقوبته في الدنيا، ثم مرَّ في السورة.
قوله تعالى :﴿ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴾ [الكهف : ١٢]
اختلف العلماء في قوله :﴿ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ﴾، فقال الخليل :﴿ لِنَعْلَمَ ﴾ ملغى، و ﴿ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى ﴾ مبتدأ وخبر، والتقدير : لنعلم الذي نقول فيه : أي الحزبين أحصى، قال يونس :﴿ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ﴾ حكاية.
وقال الفراء : الكلام فيه معنى الاستفهام، فلذلك لم يعمل فيه ﴿ لِنَعْلَمَ ﴾.
قال سيويه :(أي) ها هنا مبنية، وذلك لحذف العائد عليها، كأن الأصل : لنعلم أي الحزبين هو أحصى، فلما حذف (هو) رجعت (أي) إلى أصلها وهو البناء ؛ لأنها بمنزلة (الذي) و(من) و(ما).
قال الكسائي : المعني لنعلم ما يقولون، ثم ابتدأ : أي الحزبين أحصى، ومثل هذه الآية قوله :
﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى ﴾ [الكهف : ١٩]، وقوله :﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ [مريم : ٦٩]، وأنشد سيبويه :
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
استشهادا لقول الخليل، وتأوله على تقدير : لا حرج ولا محروم في مكانٍ، على