واختلف في (وراء) :
فقال قوم : هو نقيض قدام.
وقال قتادة : هو بمعنى أمام، ومثله :﴿ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾ [الجاثية : ١٠]، وهو محتمل ؛ لأنه من المواراة، قال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
أي : أمامى.
قوله تعالى :﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف : ١٠٩].
قال أصحاب المعاني : المعنى : قل لو كان البحر مداداً لكتابة معاني كلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، فحذف لأن المعنى مفهوم، والنفاد : الفراغ.
ومما يسأل عنه أن يقال : الكلمات لأقل العدد، وأقل العدد العشرة فما دونها، فكيف جاء هاهنا أقل العدد ؟
والجواب : أن العرب تستغني بالجمع القليل عن الكثير، وبالكثير عن القليل، قال الله تعالى :﴿ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ : ٣٧]، وغرف الجنة أكثر من أن تحصى، وقال :﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ ﴾ [آل عمران : ١٦٣]، وقال حسان :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
وكان أبو علي الفارسي ينكر الحكاية التي تروى عن النابغة، وأنه قال له : قللت جفناتكم وأسيافكم، فقال : لا يصح هذا عن النابغة.