فصل :


ويسأل عن قوله :﴿ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ﴾، وإنما العصبة هي التي تنوء بها ؟
والجواب : أنه يقال : نؤت بالحمل، وأنأت غيري، ونؤت بغيري، كما تقول ذهبت وأذهبت غيري وذهبت به فالباء والهمزة تتعاقبان في تعدي الفعل، ولهذا لا يجوز أن يجمع بينهما لاتقول : أدخل بزيد الدار، ولكن : أدخل زيداً الدار، ودخل بزيد الدار ﴿ دُخِلَت ﴾ [الأحزاب : ١٤] إن شئت، ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ﴾ [مريم : ٢٣]، وإنما معناه : فجاء بها، وقيل : إنما جاز ذلك لأنه (دخل) فيها معنى (تميل)، أي : تميل بالعصبة، فأما قول أبي عبيدة : إنه مقلوب وإن المعنى لتنوء العصبة بها، كما قال :
إن سراجاً لكريم مفخرة تحلا به العين إذا ما تجهره
أي : يحلا بالعين، فقلب. وقال آخر :
كانت عقوبة ما جنيت كما كان الزناء عقوبة الرجم
وقال امرؤ القيس :
يضيء الظلام وجهها لضجيعها كمصباح زيت في قناديل ذبال
أي : في ذبال قناديل، والذبال في القناديل.
وهذا ليس بشيء ولا يجب أن يحمل القرآن عليه ؛ لأن هذه تجري مجرى الغلط من العرب، ومثل هذا في شعرهم كثير، قال الآخر :
مثل القنافذ هدجون قد بلغت نجران أو بلغت سواءتهم هجر
وكان حقه أن يقول (هجر سوءاتهم) لأن السوءات هي التي تبلغ هجر، وقال :


الصفحة التالية
Icon