وقيل ؛ إن ﴿ مِثْلَ مَا ﴾ حال من مضمر في ﴿ حقٌ ﴾ ؛ لأنه وإن كان مصدراً فهو في موضع اسم الفاعل، واسم الفاعل يتضمن الضمير، نحو قولك ؛ هذا زيد قائم، ففي (قائم) ضمير، ألا ترى أنك لو أجريت (قائماً) على غير من هو له لأظهرت الضمير ؛ فقلت : هذا زيد قائماً أبوه، وقائم أبوه، إن شئت، فـ (الهاء) في (أبوه) هو الضمير الذي كان في (قائم)، ولم يبق في (قائم) ضمير.
والوجه الثالث : أنه منصوب على المصدر، كأنه قيل ؛ إنه لحق حقاً كنطقكم، وهو قول الفراء، وزعم أن العرب تنصبها إذا رفع بها اسم، فيقولون ؛ مثل من عبد الله ويقولون : عبد الله مثلك، وأنت مثله، وعلة النصب فيها ؛ أن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا ألقيت الكاف، قال ؛ فإن قال قائل ؛ أفيجوز أن نقول : زيد الأسد شدة، فتنصب (الأسد) إذا ألقيت الكاف ؟ قلت : لا، وذلك أن (مثل) تؤدي عن الكاف والأسد، ولا يؤدي عنها، ألا ترى قول الشاعر :
وزعت بكا لهراوة أعوجي إذا ونت الركاب جرى وثابا
أن الكاف قد أجزأت عن (مثل)، وأن العرب تجمع بينهما، فيقولون : زيد كمثلك، وقال الله تعالى :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى : ١١]، قال : واجتماعهما دليل على أن معناهما واحد.
وهذا لا يجوز عند البصريين، و(الكاف) هاهنا زائدة، وإنما لم يجز عندهم ؛ لأنه لا ناصب هنالك وإنما ينصب الاسم إذا حذف منه حرف الجر إذا كان قبله فعل ينصبه، نحو قولك : أمرتك الخير، أنت تريد : أمرتك بالخير، وأنت إذا قلت : إنه لحق كمثل ما أنكم تنطقون، فحذفت الكاف لم يبق ما ينصب (مثل) ؛ لأنه فعل هنالك، وإنما قبله (حق) وهو مصدر، والمصدر لا يعمل في المصدر إلا أن يضمر له فعل تقديره : إنه لحق يحق حقاً مثل نطقكم، ثم حذفت الفعل والمصدر جميعاً وأقمت نعت المصدر مقامه، فهذا يجوز على هذا التقدير.