تحمل النظير على النظير، فلما كانت (إن) تنصب الاسم وترفع الخبر، أعملوا (لا) ذلك العمل، وحكى يونس : لا رجل أفضل منك، تنصب (رجل) وترفع (أفضل) ؛ لأنه خبر (لا) إلا أنها نقصت عن حكم (إن) فلم تعمل إلا في النكرة، وذلك أن (إن) مشبهة بالفعل، و(لا) مشبهة بـ :(إن) فلما كانت مشبهة بالمشبه قصرت على شيء واحد، ولهذا نظير، وذلك أنك تقول : تالله ووالله وبربك ووربك، وتقول : تالله، ولا يجوز : تربك ؛ وذلك أن (التاء) بدل من (الواو) و(الواو) بدل (الباء) فلما كانت (التاء) مبدلة من مبدل قصرت على شيء واحد، وكذلك : فلان من آل فلان، ولا يجوز : فلان من آل المدينة ؛ لأن (الألف) من الآل بدل من (الهمزة) و(الهمزة) بدل من (أهل) فصارت بدلاً من بدل فقصرت على شيء واحد، وكذلك : أسنى القوم، إذا دخلوا في السنة، وسواء كانت مخصبة أو مجدية، فإذا قالوا : استنوا، لم يقع إلا على المجدية ؛ لأن (التاء) بدل من (الياء) و(الياء) بدل من (الواو) و(الهاء) على الخلاف في ذلك ؛ لأنه يقال : سانهت وسانيت، وقالوا : سنوات وسنة سنهاء، وهذا كله مذهب سيبويه، وذهب غيره من النحويين، إلى أن (لا) مبنية على ما بعدها على الفتح، وليس ما بعدها معرباً ولكنه مبني لتضمنه معنى الحرف ؛ لأن حق الجواب أن يكون وفق السؤال و(لا) جواب لمن قال : هل من رجل عندك ؟ فجوابه : لا رجل عندي، وكان يجب أن يقول : لا من رجل، إلا أن (من) حذفت، وضمن الكلام معناها، ووجب البناء ؛ لأن كل ما تضمن معنى الحرف يبنى، فإن قال : هل رجل عندك ؟ قلت : لا رجل عندي ترفع لا غير ؛ لأن الكلام لم يتضمن معنى (من) والنصب أبلغ في المعنى لتضمنه معنى (من) لأن (من) يدخل في (النفي) لاستغراق الجنس، نحو قولك : ما جاءني من رجل، فقد نفيت جميع الرجال، ولو قلت : ما جاءني رجل، لجاز أنك تريد : جاءني اثنان فصاعداً، ومن هذا الوجه كان النصب في قوله :﴿ لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ﴾ أجود ؛ لأنه أشد في المبالغة.
ومن رفع جهل ﴿ لَا ﴾ جواباً لـ(هل) من غير (من) وهذا يقتضي الرفع، والرفع على الابتداء، و ﴿ فِيهَا ﴾ الخبر، و ﴿ تَأْثِيمٌ ﴾ عطف على لغو، وإذا نصبت جعلت ﴿ فِيهَا ﴾ خبراً لـ :﴿ لَا ﴾ ويجوز هاهنا خمسة أوجه :