ومما يسأل عنه أن يقال : لم كان التبرك باليمين ؟
والجواب : أن العمل يتيسر بها ؛ لأن الشمال يتعسر العمل بها من نحو : الكتابة والتجارة والأ'مال الدقيقة.
قال الفراء : المعنى في قوله :﴿ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾ :
فسلام لك أنم من أصحاب اليمين، فألقيت (أنَّ) وهو معناهما، كما تقول : أنت مصدق ومسافر عن قليل، إذا كان قد قال : إني مسافر عن قليل، وكذلك تجده في وقلك : إنك مسافر عن قليل، قال : والمعنى : فسلام لك أنت من أصحاب اليمين، ويكون كالدعاء له، كقولك : سقياً لك من الرجال، وإن رفعت (السلام) فهو دعاء، وقال قتادة المعنى : فسلام لك أيها الإنسان الذي هو لك من أصحاب اليمين من عذاب الله، وسلمت عليه الملائكة، وقيل المعنى : سلمت مما تكره ؛ لأنك من أصحاب اليمين.
قال أبو الفتح بن جني : في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير : مهما من شيء فسلام لك إن كان من أصحاب اليمين، ولا ينبغي أن يكون موضع ﴿ إِنْ كَانَ ﴾ إلا هذا الموضع ؛ لأنه لو كان موضعه بعد (الفاء) يليها لكان قوله :﴿ فَسَلَامٌ لَكَ ﴾ جواباً له في اللفظ لا في المعنى، ولو كان جواباً له في اللفظ لوجب إدخال (الفاء) عليه ؛ لأنه لا يجوز في سعة الكلام : إن كان من أصحاب اليمين سلام له، فلما وجد (الفاء) فيه ثبت أنه ليس بجواب لقوله :﴿ إِنْ كَانَ ﴾ في اللفظ، وإذا ثبت أنه ليس بجواب له في اللفظ ثبت أن موقع ﴿ إِنْ كَانَ ﴾ بعده لا قبله، قال : فإن قيل : إنما يدل (الفاء) التي تكون جواباً لقوله :﴿ إِنْ كَانَ ﴾ لأجل الفاء التي تدخل جواباً لـ (أمَّا) ؛ لأنه لا يدخل حرف معنى على مثله، قيل : إنما يدخل (الفاء) التي لـ (أما) عليه : لأنه ليس بجواب لقوله :﴿ إِنْ كَانَ ﴾، فلو كان جواباً له لما دخلت هذه (الفاء) في قوله :﴿ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلَامٌ لَكَ ﴾ على أن (فاء) (أما) قد تكون موقعه بعد (الفاء) لا تليها، فأما ما استدل به أبو علي على قوله :


الصفحة التالية
Icon