وفي حرف عبد الله ﴿ انْفَضُّوا إِلَيْهِ ﴾، ففي القراءة الأولى عاد الضمير إلى النجارة وفي القراءة الثانية على اللهو، وجاز أن يعود الضمير على أحدهما اكتفتء به، وكأنه على حذف، والمعنى : وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها، وإذا رأوا انفضوا إليه، فحذف (إليه) لأن (إليها) يدل عليه.
قال الفراء : إنما قال :﴿ إِلَيْهَا ﴾ ؛ لآنها كانت أهم إليهم، وهم بها أسر من الطبل ؛ لأن الطبل إنما دل على التجارة، والمعنى كله له.

فصل :


ومما يسأل عنه أن يقال : لم قدم التجارة على اللهو هاهنا، وأخرها في وقوله :﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ﴾ ؟
والجواب : أن التجارة هي المطلوبة، والفائدة فيها، واللهو لا فائدة فيه، فأعلمهم أنهم إذا رأوا تجارة وهي المرغوب فيها عندهم أو لهواً ولا فائدة فيه فينفضون، وعجزهم بذلك وبكتهم لأنهم يعذرون في بعض الأحوال على التجارة ولا يعذرون على اللهو ؛ لأنه ليس مما يرغب فيه العقلاء كما يرغبون في التجارة، ثم قال لنبيه - عليه السلام - : قل لهم :﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ﴾ الذي لا فائدة فيه ﴿ وَمِنَ التِّجَارَةِ ﴾ التي فيها الفائدة، فأخر الأول هاهنا ليعلمهم أن ما عند الله خير مما لا فائدة فيه ومن الذي فيه فائدة، والعرب تبتدي بالأدنى ثم تتبعه بالأعلى، نحو قولهم : فلان يعطي العشرات والميئات والآلاف.
﴿ ومن سورة المنافقين ﴾
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ [المنافقون : ٤].


الصفحة التالية
Icon