وقوله :﴿ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ﴾ يراد به : النبي - ﷺ - كان إذا قال :(لا إله إلا الله) كادوا يكونون عليه جماعة متكافئة بعضهم فوق بعض ليزيلوه بذلك عن دعوته بإخلاص الإلهية.
وقال ابن عباس : كاد الجن يركبونه حرصاً على سماع القرآن فيه، وهو قول الضحاك، ويروى عن الحسن وقتادة أنهما قالا : تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فيأبي الله إلا أن يظهر على ما ناوأه، كما قال تعالى :﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [الصف : ٨].
﴿ ومن سورة المزمل ﴾
قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴾ [المزمل : ١-٣].
المزمل : المتلفف في ثيابه، وكان النبي - ﷺ - إذا أنزل عليه الوحي أخذته شدة وكرب، فيقول : زملوني زملوني، وكذلك ﴿ الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر : ١] ؛ لأنه كان يقول مرة : دثروني دثروني.
قال الفراء :﴿ الْمُزَّمِّلُ ﴾ : الذي تزمل في ثيابه وتهيأ للصلاة في هذا الموضع، وهو النبي - ﷺ - وأصل المزمل : المتزمل، فأبدلت من التاء زاياً وأسكنت وأدغمت في التي بعدها، وقيل : المزمل، ويقال الرجل في ثيابه أي : تلفف، قال امرؤ القيس :
كأن أبانا في أفانين ودقه كبير أناسٍ في بجاد مزمل
ويسأل عن نصب قوله :﴿ نِصْفَهُ ﴾ ؟
والجاب : أنه بدل من الليل، وهو بدل بعض من كل، كأنه في التقدير : قم نصف الليل إلا قليلاً، وهو بمنزلة قولك : قطعت اللص يده، وأكلت الرغيف ثلثيه.


الصفحة التالية
Icon