معاني القرآن، ج ١، ص : ١٠٧
و قال فيه الكسائىّ «وَ الْمُقِيمِينَ» موضعه خفض يردّ على قوله :«بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هم والمؤتون الزكاة.
قال : وهو بمنزلة قوله :«يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» «١» وكان النحويّون يقولون «الْمُقِيمِينَ» مردودة على «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ - إلى الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ» ومن «الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «مِنْ قَبْلِكَ» ومن قبل «الْمُقِيمِينَ».
وإنما امتنع من مذهب المدح - يعنى الكسائىّ - الذي فسّرت لك، لأنه قال : لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم «٢» يتمم الكلام فى سورة النساء.
ألا ترى أنك حين قلت «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ - إلى قوله «وَ الْمُقِيمِينَ - والْمُؤْتُونَ» كأنك منتظر لخبره «٣»، وخبرهفى قوله «أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً» والكلام أكثره على ما وصف الكسائىّ. ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام فى الناقص وفى التامّ كالواحد ألا ترى أنهم قالوا فى الشعر :
حتى إذا قملت «٤» بطونكم ورأيتم أبناءكم شبّوا
و قلبتم ظهر المجنّ لنا إنّ اللئيم العاجز الخبّ
فجعل جواب (حتى إذا) بالواو، وكان ينبغى ألا يكون فيه واو، فاجتزئ بالإتباع ولا خبر بعد ذلك. وهذا أشدّ مما وصفت لك.

(١) آية ٦١ سورة التوبة.
(٢) فى الطبري :«لما».
(٣) فى ج وش : لخبرهم وخبرهم إلخ.
(٤) قلت بطونكم : كثرت قبائلكم. وقلب ظهر المجن - والمجن الترس - : المنابذة بالعداء والخب : اللئيم الماكر. والبيتان فى الإنصاف ١٨٩، والخزانة ٤/ ٤١٤، واللسان (قمل) من غير عزو.


الصفحة التالية
Icon