معاني القرآن، ج ١، ص : ١١
و لا مكان «هذا» «ذلِكَ» وقد قال اللّه جل وعز :«وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ» إلى قوله :«وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ» ثم قال :«هذا ذِكْرُ» «١».
وقال جلّ وعزّ فى موضع آخر :«وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ» ثم قال :
«هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ» «٢». وقال جلّ ذكره :«وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» ثم قال :«ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ» «٣». ولو قيل فى مثله من الكلام فى موضع «ذلِكَ» : هذا» أو فى موضع «هذا» :«ذلِكَ» لكان صوابا.
وفى قراءة عبد اللّه بن مسعود «هذا فذوقوه» وفى قراءتنا «ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ» «٤».
فأما ما لا يجوز فيه «هذا» فى موضع «ذلِكَ» ولا «ذلِكَ» فى موضع «هذا» فلو رأيت رجلين تنكر أحدهما لقلت للذى تعرف : من هذا الذي معك؟ ولا يجوز هاهنا : من ذلك؟ لأنك تراه بعينه.
وأما قوله تعالى : هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) فإنه رفع من وجهين ونصب من وجهين إذا أردت ب «الْكِتابُ» أن يكون نعتا ل «ذلِكَ» كان الهدى فى موضع رفع لأنه خبر ل «ذلِكَ» كأنك قلت : ذلك هدى لا شكّ فيه «٥». وإن جعلت لا رَيْبَ فِيهِ خبره رفعت أيضا (هُدىً) تجعله تابعا لموضع «لا رَيْبَ فِيهِ» كما قال اللّه عزّ وجلّ :«وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ» «٦» كأنه قال : وهذا كتاب، وهذا مبارك، وهذا من صفته كذا وكذا. وفيه وجه ثالث من الرفع : إن شئت رفعته على الاستئناف لتمام ما قبله، كما قرأت القرّاء «الم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ»»
بالرفع
(٢) آية ٥٢، ٥٣ سورة ص.
(٣) آية ١٩ سورة ق.
(٤) آية ١٤ سورة الأنفال.
(٥) وجملة «لا ريب فيه» على هذا اعتراض أو حال.
(٦) آية ٩٢ و١٥٥ سورة الأنعام.
(٧) آية ١ - ٣ سورة لقمان.