معاني القرآن، ج ١، ص : ١١٦
نقبا من مؤخّره فخرج منه ودخل ولم يخرج من الباب، وإن كان من أهل الأخبية والفساطيط خرج من مؤخّره ودخل منه. فبينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو محرم ورجل محرم يراه، دخل من باب حائط فاتّبعه ذلك الرجل، فقال له : تنحّ عنى. قال : ولم؟ قال دخلت من الباب وأنت محرم. قال : إنى قد رضيت بسنّتك وهديك. قال له النبىّ صلى اللّه عليه وسلم :(إنى أحمس) «١» قال : فإذا كنت أحمس فإنى أحمس. فوفّق اللّه الرجل، فأنزل اللّه تبارك وتعالى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
وقوله : وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. (١٩١)
فهذا وجه قد قرأت به العامّة. وقرأ أصحاب عبد اللّه «و لا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه، فإن قتلوكم فقتلوهم» والمعنى هاهنا : فإن بدءوكم بالقتل فاقتلوهم. والعرب تقول : قد قتل بنو فلان إذا قتل منهم الواحد.
فعلى «٢»
هذا قراءة أصحاب عبد اللّه. وكلّ حسن.
وقوله : فَإِنِ انْتَهَوْا فلم يبدءوكم فَلا عُدْوانَ على الذين انتهوا، إنما العدوان على من ظلم : على من بدأكم ولم ينته.
فإن قال قائل : أرأيت قوله «فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» أعدوان هو وقد أباحه اللّه لهم؟ قلنا : ليس بعدوان فى المعنى، إنما هو لفظ على مثل ما سبق «٣» قبله

(١) هو وصف من الحماسة بمعنى التشدّد فى الدين والصلابة فيه. وجمعه الأحامس، وقد غلب هذا الوصف على قريش ومن لحق بهم من خزاعة وغيرهم لأنهم كانوا يتشدّدون فى دينهم فى الجاهلية.
(٢) فمعنى «فإن قتلوكم» على هذه القراءة : فإن قتلوا واحدا منكم. وبهذا يندفع سؤال بعضهم :
إذا قتلوهم كيف يقتلونهم. وانظر تفسير الطبري ٢/ ١٢٢
(٣) فى أ: «نسق».


الصفحة التالية
Icon