معاني القرآن، ج ١، ص : ١٤
فحسن الإضمار لمّا عرف. ومثله فى سورة الواقعة :«يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ» «١» ثم قال :«وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ» فخفض بعض القراء، ورفع بعضهم الحور العين.
«٢» قال الذين رفعوا : الحور العين لا يطاف بهنّ فرفعوا على معنى قولهم : وعندهم حور عين، أو مع ذلك حور عين فقيل «٣» : الفاكهة واللحم لا يطاف بهما إنما يطاف بالخمر وحدها - واللّه أعلم - ثم أتبع آخر الكلام أوّله. وهو كثير فى كلام العرب وأشعارهم، وأنشدنى بعض بنى أسد يصف فرسه :
علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همّالة عيناها «٤»
و الكتاب أعرب وأقوى فى الحجة من الشعر. وأمّا ما لا يحسن فيه الضمير «٥» لقلّة اجتماعه، فقولك : قد أعتقت مباركا أمس وآخر اليوم يا هذا وأنت تريد : واشتريت آخر اليوم لأن هذا مختلف لا يعرف أنك أردت ابتعت. ولا يجوز أن تقول :
ضربت فلانا وفلانا وأنت تريد بالآخر : وقتلت فلانا لأنه ليس هاهنا دليل.
ففى هذين الوجهين ما تعرف به ما ورد عليك إن شاء اللّه.
وقوله : فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ... (١٦)
ربما قال القائل : كيف تربح التجارة وإنما يربح الرجل التاجر؟ وذلك من كلام العرب : ربح بيعك وخسر بيعك، فحسن «٦» القول بذلك لأن الربح والخسران إنما يكونان فى التجارة، فعلم معناه. ومثله من كلام العرب : هذا ليل نائم. ومثله من كتاب اللّه :«فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ» «٧» وإنما العزيمة للرجال، ولا يجوز الضمير «٨»
(٢) كذا فى أ. وفى ش، ج :«و قال».
(٣) هذا توجيه الخفض فى «حور عين» بالحمل على الفاكهة واللحم، فقد خفضا مع أنهما لا يشتركان مع الأكواب فى الطواف بهما، وإنما هو إتباع الآخر الأوّل على تقدير عامل مناسب، فليكن هذا هنا.
(٤) انظر الخزانة ١/ ٤٩٩.
(٥، ٨) يريد بالضمير المحذوف.
(٦) كذا فى أ، ب. وفى ش، ج :«و حسن».
(٧) آية ٢١ سورة محمد.