معاني القرآن، ج ١، ص : ٢٢٦
و إنما ينصب على خروجه من المقدار الذي تراه قد ذكر قبله، مثل ملء الأرض، أو عدل ذلك، فالعدل مقدار معروف، وملء الأرض مقدار معروف، فانصب ما أتاك على هذا المثال ما أضيف إلى شىء له قدر كقولك : عندى قدر قفيز «١» دقيقا، وقدر حملة تبنا، وقدر رطلين عسلا، فهذه مقادير معروفة يخرج الذي بعدها مفسّرا لأنك ترى التفسير خارجا من الوصف يدلّ على جنس المقدار من أىّ شىء هو كما أنك إذا قلت : عندى عشرون فقد أخبرت عن عدد مجهول قد تمّ خبره، وجهل جنسه وبقي تفسيره، فصار هذا مفسّرا عنه، فلذلك نصب.
ولو رفعته على الائتناف لجاز كما تقول : عندى عشرون، ثم تقول بعد : رجال، كذلك لو قلت : ملء الأرض، ثم قلت : ذهب، تخبر على غير اتّصال.
وقوله : وَلَوِ افْتَدى بِهِ الواو هاهنا قد يستغنى عنها، فلو قيل ملء الأرض ذهبا لو افتدى به كان صوابا. وهو بمنزلة قوله :(وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) «٢» فالواو هاهنا كأن لها فعلا مضمرا «٣» بعدها.
وقوله : إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ... (٩٣)
يذكر فى التفسير أنه أصابه عرق النسا فجعل على نفسه إن برأ أن يحرّم أحبّ الطعام والشراب إليه، فلمّا برأ حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، وكان «٤» أحبّ الطعام والشراب إليه.

(١) القفيز : مكيال للحبوب.
(٢) آية ٧٥ سورة الأنعام.
(٣) أي كأنّ الأصل : ولو افتدى به فلن يقبل منه فحذف الجواب للدليل عليه من الكلام السابق.
وكذلك قوله تعالى : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ : فالتقدير وليكون من الموقنين أريناه ملكوت السموات والأرض.
(٤) كذا فى ش، ج. يريد : كان كل منهما. وقد يكون الأصل :«كانا».


الصفحة التالية
Icon