معاني القرآن، ج ١، ص : ٢٩
«ادّكروا» «١». وفى موضع آخر :«٢» :«و تذكّروا ما فيه». ومثله فى الكلام أن تقول : اذكر مكانى من أبيك».
وأمّا نصب الياء من «نِعْمَتِيَ» فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان :
الإرسال والسّكون، والفتح، فإذا لقيتها ألف ولام، اختارت العرب اللغة التي حرّكت فيها الياء وكرهوا الأخرى لأن اللّام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا : نعمتى «٣» التي، فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين وأبينهما. وقد يجوز إسكانها عند الألف واللام وقد قال اللّه :
«يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» «٤» فقرئت بإرسال الياء ونصبها، وكذلك ما كان فى القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم تكن فيه الياء لم تنصب.
وأمّا قوله :«فَبَشِّرْ عِبادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ» «٥». فإن هذه بغير ياء، فلا تنصب ياؤها وهى محذوفة وعلى هذا يقاس كل ما فى القرآن منه. وقوله :«فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ» «٦» زعم الكسائىّ أن العرب تستحبّ نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام، مثل قوله :«إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» «٧» و«إِنِّي أَخافُ اللَّهَ» «٨». ولم أر ذلك عند العرب رأيتهم يرسلون الياء فيقولون : عندى أبوك، ولا يقولون : عندى أبوك بتحريك الياء إلا أن يتركوا الهمز فيجعلوا الفتحة فى الياء فى هذا ومثله. وأما قولهم : لى ألفان، وبي أخواك كفيلان،
(٢) «فى موضع آخر» : ساقط من ج، ش، وهو يشير إلى قراءة ابن مسعود فى آية ٦٣ سورة البقرة :«و اذكروا ما فيه لعلكم تتقون».
(٣) رسم فى أ: «نعمت» تحقيقا لحذف الياء فى اللفظ.
(٤) آية ٥٣ سورة الزمر.
(٥) آية ١٧، ١٨ سورة الزمر.
(٦) آية ٣٦ سورة النمل.
(٧) آية ٧٢ سورة يونس.
(٨) آية ٤٨ سورة الأنفال، وآية ١٦ سورة الحشر. وفتح الياء قراءة نافع.