معاني القرآن، ج ١، ص : ٤٣٦
و قوله : الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (٣٦) يقول : جميعا. والكافّة لا تكون مذكّرة ولا مجموعة على عدد الرجال فتقول :
كافّين، أو كافّات للنسوة، ولكنها (كافّة) بالهاء والتوحيد «١» فى كل جهة لأنها وإن كانت على لفظ (فاعلة) فإنها فى مذهب مصدر مثل الخاصّة، والعاقبة، والعافية. ولذلك لم تدخل فيها العرب الألف واللام لأنها آخر الكلام مع معنى المصدر. وهى فى مذهب قولك : قاموا معا وقاموا جميعا ألا ترى أن الألف واللام قد رفضت فى قولك : قاموا معا، وقاموا جميعا، كما رفضوها فى أجمعين وأكتعين وكلهم إذ كانت فى ذلك المعنى. فإن قلت : فإن العرب قد تدخل الألف واللام فى الجميع، فينبغى لها أن تدخل فى كافة وما أشبهها، قلت : لأن الجميع على مذهبين، أحدهما مصدر، والآخر اسم، فهو الذي شبّه عليك. فإذا أردت الجميع الذي فى معنى الاسم جمعته وأدخلت فيه الألف واللام مثل قوله : وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ «٢»، وقوله : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «٣» وأما الذي فى معنى معا وكافّة فقولك للرجلين : قاما جميعا، وللقوم : قاموا جميعا، وللنسوة : قمن جميعا، فهذا فى معنى كلّ وأجمعين، فلا تدخله ألفا ولا ما كما لم تدخل فى أجمعين.
وقوله : إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ (٣٧) كانت العرب فى الجاهلية إذا أرادوا الصدر عن منّى قام «٤» رجل من بنى كنانة يقال له (نعيم بن ثعلبة) وكان رئيس الموسم، فيقول : أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولا يردّ لى قضاء. فيقولون : صدقت، أنسئنا شهرا، يريدون : أخّر عنّا حرمة المحرم
(٢) آية ٥٦ سورة الشعراء.
(٣) آية ٤٥ سورة القمر. [.....]
(٤) كذا فى أ. وفى ش، ج :«قدم».