معاني القرآن، ج ١، ص : ٦٩
حلفت له إن تدلج اللّيل لا يزل أمامك بيت من بيوتى سائر «١»
و المعنى حلفت له لا يزال أمامك بيت، فلما جاء بعد المجزوم صيّر جوابا للجزم. ومثله فى العربية : آتيك كى (إن تحدّثنى «٢» بحديث أسمعه منك، فلما جاء بعد المجزوم جزم).
وقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا... (١٠٤)
هو «٣» من الإرعاء والمراعاة، (وفى) «٤» قراءة عبد اللّه «لا تقولوا راعونا» وذلك أنها كلمة باليهودية شتم، فلمّا سمعت اليهود أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلّم يقولون :
يا نبىّ اللّه راعنا «٥»، اغتنموها فقالوا : قد كنا نسبّه فى أنفسنا فنحن الآن قد أمكننا أن نظهر له السّبّ، فجعلوا يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم : راعنا، ويضحك بعضهم إلى بعض، ففطن لها رجل «٦» من الأنصار، فقال لهم : واللّه لا يتكلم بها رجل

(١) البيت شاهد على جزم «لا يزل» فى ضرورة الشعر بجعله جواب الشرط وكان القياس أن يرفع ويجعل جوابا للقسم، لكنه جزم للضرورة، فيكون جواب القسم محذوفا مدلولا عليه بجواب الشرط.
وتدلج : مضارع أدلج أي سار الليل كله. وأراد بالبيت جماعة من أقاربه يقول : إن سافرت بالليل أرسلت جماعة من أهلى يسيرون أمامك يخفرونك ويحرسونك إلى أن تصل إلى مأمنك.
(٢) فى ج، ش :«إن تحدث بحديث أسمعه منك، فلما جاء بعد الجزم جزم». [.....]
(٣) فى ج :«و هو».
(٤) فى ج :«و هو فى».
(٥) راعنا : أمر من المراعاة وهى الحفظ. وفى الصحاح :«أرعيته سمعى أي أصغيت إليه، ومنه قوله تعالى :«راعِنا» قال الأخفش :«هو فاعلنا من المراعاة على معنى أرعنا سمعك، ولكن الياء ذهبت للأمر». والأقرب أن المراعاة هنا مبالغة فى الرعي أي حفظ المرء غيره، وتدبير أموره. وقراءة عبد اللّه بن مسعود «راعونا» على إسناد الفعل إلى ضمير الجمع للتوقير.
(٦) هو سعد بن معاذ الأنصاري الأوسى رضى اللّه عنه وكان يعرف لغتهم. شهد بدرا وأحدا، وتوفى سنة خمس من الهجرة بسبب جرح أصابه فى غزوة الخندق.


الصفحة التالية
Icon