معاني القرآن، ج ٢، ص : ٢٥٥
قوله : أَوْ كَظُلُمات ٍ
[٤٠] والظلمات مثل لقب الكافر، أي أنه لا يعقل ولا يبصر، فوصف قلبه بالظلمات. ثم قال :(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) فقال بعض المفسّرين : لا يراها، وهو المعنى لأن أقل من الظلمات التي وصفها اللّه لا يرى فيها الناظر كفّه. وقال بعضهم إنما هو «١» مثل ضربه اللّه فهو يراها ولكنه لا يرها إلّا بطيئا كما تقول : ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت. وهو وجه العربية. ومن العرب ١٢٨ ب من يدخل كاد ويكاد فى اليقين فيجعلها بمنزلة الظن إذا دخل، فيما هو يقين كقوله (وَ ظَنُّوا «٢» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) فى كثير من الكلام.
وقوله : وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ [٤١] وتسبيحه ترفع كلّا بما عاد إليه من ذكره وهى الهاء فى (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) وإن شئت جعلت العلم لكل، أي كل قد عاد صلاته وتسبيحه فإن شئت جعلت الهاء صلاة نفسه وتسبيحا. إن شئت : تسبيح اللّه وصلاته التي نصلّيها له وتسبيجها، وفى القول الأوّل : كلّ قد علم اللّه صلاته وتسبيحه. ولو أتت كلّا قد علم بالنصب على قولك : علم اللّه صلاة كلّ وتسبيحه فتنصب لوقوع الفعل على راجع ذكرهم. أنشدنى بعض العرب :
كلّا قرعنا فى الحروب صفاته ففررتم وأطلتم الخذلانا «٣»
و لا يجوز أن تقول : زيدا ضربته. وإنما جاز فى كلّ لأنها لا تأتى إلّا وقبلها كلام، كأنها متّصلة به كما تقول : مررت بالقوم كلّهم ورأيت القوم كلّا يقول ذلك، فلمّا كانت نعتا مستقصى به كانت مسبوقة بأسمائها وليس ذلك لزيد ولا لعبد «٤» اللّه ونحوهما لأنها أسماء مبتدآت.
وقد قال بعض النحويين : زيدا ضربته، فنصبه بالفعل كما تنصبه إذا كان قبله كلام. ولا يجوز ذلك إلا أن تنوى التكرير، كأنه نوى أن يوقع ب : يقع الضرب على زيد قبل أن يقع على الهاء، فلمّا تأخّر الفعل أدخل الهاء على التكرير. ومثله ممّا يوضحه.
(٢) الآية ٤٨ سورة فصلت.
(٣) الصفاة : الصخرة الملساء. ويقال : قرع صفاته إذا آذاه ونال منه.
(٤) ا :«عبد اللّه».