معاني القرآن، ج ٢، ص : ٢٨٠
و قوله : أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ [٥١] وجه الكلام أن تفتح (أن) لأنها ماضية وهى فى مذهب جزاء. ولو كسرت ونوى بما بعدها الجزم كان صوابا. وقوله :(كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) يقولون : أول مؤمنى أهل زماننا.
وقوله : إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. [٥٤] يقول عصبة قليلة وقليلون وكثيرون وأكثر كلام العرب أن يقولوا : قومك قليل وقومنا كثير. وقليلون وكثيرون جائز عربىّ وإنما جاز لأن القلّة إنما تدخلهم جميعا. فقيل : قليل، وأوثر قليل على قليلين. وجاز الجمع إذ كانت القلّة تلزم جميعهم فى المعنى فظهرت أسماؤهم على ذلك. ومثله أنتم حىّ واحد وحىّ واحدون. ومعنى واحدون واحد كما قال الكميت :
فردّ قواصى الأحياء منهم فقد رجعوا كحىّ واحدينا «١»
و قوله : حاذِرُونَ [٥٦] وحذرون حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى أبو ليلى السجستاني عن أبى جرير «٢» قاضى سجستان أن ابن مسعود قرأ «٣» (وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) يقولون : مؤدون فى السّلاح. يقول : ذوو أداة من السّلاح. و(حذرون) وكأن الحاذر : الذي يحذرك الآن. وكأنّ الحذر : المخلوق حذرا لا تلقاه إلّا حذرا.
وقوله : إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [٦١] و(لمدّركون «٤») مفتعلون من الإدراك كما تقول : حفرت واحتفرت بمعنى واحد، فكذلك (لمدركون) و(لمدّركون) معناهما واحد واللّه أعلم.
(٢) فى ا ما يقرب من «حريز».
(٣) وهى قراءة ابن ذكوان وهشام فى بعض الطرق وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون «حذرون».
(٤) ظاهر ما هنا أنه بفتح الراء من أدرك المتعدى، وقد ورد فى اللسان ادراك متعديا ولازما. وفى البحر أن هذه القراءة - وهى قراءات الأعرج وعبيد بن عمير - فيها كسر الراء من أدرك اللازم. وفيه :«و قال أبو الفضل الرازي : وقد يكون أدرك على افتعل بمعنى أفعل متعديا. فلو كانت القراءة من ذلك لوجب فتح الراء ولم يبلغنى ذلك عنهما يعنى عن الأعرج وعبيد بن عمير» وانظر البحر ٧/ ٢٠.