معاني القرآن، ج ٢، ص : ٢٩٩
أبوك، ولا يقولون : إلا أباك. وذلك أن الأب كأنّه خلف من أحد لأن ذا واحد وذا واحد فآثروا الإتباع، والمسألة الأولى ما قبل (إلّا) جمع وما بعد (إلّا) واحد منه أو بعضه، وليس بكلّه.
وقوله :(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [٦٦] معناه : لعلّهم تدارك علمهم. يقول : تتابع علمهم فى الآخرة. يريد : بعلم الآخرة أنها تكون أو لا تكون، لذلك قال (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) وهى فى قراءة أبىّ (أم تدارك علمهم فى الآخرة) بأم. والعرب تجعل (بل) مكان (أم) و(أم) مكان (بل) إذا كان فى أوّل الكلام استفهام، مثل قول الشاعر :
فو اللّه ما أدرى أسلمى تغوّلت أم النوم أم كلّ إلى حبيب «١»
فمعناهن : بل. وقد اختلف القراء فى (ادّارك) فقرأ يحيى والحسن وشيبة ونافع «٢» (بل ادّارك) وقرأ مجاهد وأبو جعفر المدني (بل أدرك علمهم فى الآخرة) من أدركت ومعناه، كأنه قال : هل أدرك علمهم علم الآخرة. وبلغني عن ابن عبّاس أنه قرأ (بلى ادّارك) يستفهم ويشدّد الدال ويجعل فى (بلى) ياء. وهو وجه جيّد لأنه أشبه بالاستهزاء بأهل الجحد كقولك للرّجل تكذّبه : بلى لعمرى لقد أدركت السلف فأنت تروى ما لا نروى وأنت تكذّبه.
وقرأ القراء أإنّا لمخرجون [٦٧] و(إنّنا) «٣» وهى فى مصاحف أهل الشام (إنّنا).
وقوله : عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ :[٧٢] جاء فى التفسير : دنا لكم بعض الذي تستعجلون، فكأن اللام دخلت إذ كان المعنى دنا كما قال الشاعر :
١٣٨ ب فقلت لها الحاجات يطرحن بالفتى وهمّ تعنّانى معنّى ركائبه «٤»
فأدخل الباء فى الفتى لأن معنى (يطرحن) يرمين، وأنت تقول : رميت بالشيء وطرحته،

(١) ا :«و اللّه» فى مكان «فو اللّه». و«تغولت» : تلونت
(٢) وكذا عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف
(٣) هى قراءة ابن عامر والكسائي
(٤) ب :«تغشائى» فى مكان :«تعنانى»


الصفحة التالية
Icon