معاني القرآن، ج ٢، ص : ٣١٢
(هى) ذهب إلى الآيات، ومن قال (هو) ذهب إلى القرآن. وكذلك (تِلْكَ «١» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ «٢») ومثله فى الكلام : قد غمّنى ذاك وغمّتنى تلك منك.
وقوله : وَيْكَأَنَّ اللَّهَ [٨٢] فى كلام العرب تقرير. كقول الرجل : أما ترى إلى صنع اللّه.
وأنشدنى :
و يكأن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ «٣»
قال الفراء : وأخبرنى شيخ من أهل البصرة قال : سمعت أعرابيّة تقول لزوجها : أين ابنك ويلك؟ فقال : ويكأنّه وراء البيت. معناه : أما ترينه وراء البيت. وقد يذهب بعض النحويّين إلى أنهما كلمتان يريد ويك أنّه، أراد ويلك، فحذف اللام وجعل (أنّ) مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قال : ويلك أعلم أنه وراء البيت، فأضمر (اعلم). ولم نجد العرب تعمل الظنّ والعلم بإضمار مضمر فى أنّ. وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين أو فى آخر ١٤١ ب الكلمة، فلمّا أضمره جرى مجرى الترك ألا ترى أنه لا يجوز فى الابتداء أن تقول : يا هذا أنك قائم، ولا يا هذا أن قمت تريد : علمت أو أعلم ّحر فأضمره. ولو لم يرد ضمير الإضافة لرفع فقال : بعيد. ومثله قول الشّاعر «٣» :
لعمرك ما أدرى وإنى لأوجل على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
رفعت (أوّل) لأنه غاية ألا ترى أنها مسندة إلى شىء هى أوّله كما تعرف أنّ (قبل) لا يكون إلّا قبل شىء، وأنّ (بعد) كذلك. ولو أطلقتهما بالعربيّة فنوّنت وفيهما معنى الإضافة فخفضت فى الخفض ونوّنت فى النصب والرفع «٤» لكان صوابا، قد سمع ذلك من العرب، وجاء فى أشعارها، فقال بعضهم :
و ساغ لى الشراب وكنت قبلا أكاد أغصّ بالماء الحميم «٥»
فنوّن وكذلك تقول : جئتك من قبل فرأيتك. وكذلك قوله :

(١) هو عتى بن مالك العقيلي وانظر اللسان (ورى).
(٢) سقط ما بين القوسين فى ا.
(٣) هو معن بن أوس المزني. [.....]
(٤) سيأتى له أن التنوين فى الرفع خاص بضرورة الشعر.
(٥) فى التصريح فى مبحث الإضافة أنه لعبد اللّه بن يعرب. وفى البيت رواية أخرى :«الفرات» بدل «الحميم» ومن يثبت الرواية الأخيرة يفسر الحميم بالبارد، وإن كان المشهور فيه الحار فهو على هذا من الأضداد.


الصفحة التالية
Icon