معاني القرآن، ج ٢، ص : ٣٧٨
و قوله : وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [٣٩] الرفع فيه أعجب إلىّ من النصب، لأنه قال (وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) ثم جعل الشمس والقمر متبعين لليل وهما فى مذهبه آيات مثله. ومن نصب أراد : وقدّرنا القمر منازل، كما فعلنا بالشمس. فردّه على الهاء «١» من الشمس فى المعنى، لا أنه أوقع عليه ما أوقع على الشمس. ومثله فى الكلام : عبد اللّه يقوم وجاريته يضربها، فالجارية مردودة على الفعل لا على الاسم، لذلك نصبناها لأنّ الواو التي فيها للفعل المتأخّر.
وقوله :(كَالْعُرْجُونِ) والعرجون ما بين الشماريخ «٢» إلى النابت فى النخلة. والقديم فى هذا الموضع : الذي قد أتى عليه حول.
وقوله : لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ [٤٠] يقول : تطلع ليلا، ولا أن يسبق الليل النهار، يقول : ولا القمر له أن يطلع نهارا، أي لا يكون له ضوء. ويقال : لا ينبغى للشمس أن تدرك القمر فتذهب «٣» ضوءه، ولا أن يسبق الليل النهار فيظلمه. وموضع (أن تدرك) رفع.
[قوله : نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [٣٧] فإن قال قائل : ما قوله :(نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)؟
فإنما معناه : نسلخ عنه النهار : نرمى بالنهار «٤» عنه فتأتى الظلمة. وكذلك النهار يسلخ منه الليل فيأتى الضوء. وهو عربىّ معروف، ألا ترى قوله :(آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) أي خرج منها وتركها. وكذلك الليل والنهار.
وقوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ [٤٢] : من مثل فلك نوح (ما يَرْكَبُونَ) يقول : جعلنا لهم السّفن مثّلت على ذلك المثال. وهى الزواريق «٥» وأشباهها ممّا يركب فيه الناس. ولو قرأ قارئ :
من مثله كان وجها يريد من مثاله : ولم أسمع أحدا قرأ به.

(١) كأنه يريد بالهاء الضمير فى «تجرى» وفى ا ما يصح أن يقرأ :«أنها» بدل الهاء.
(٢) الشماريخ ما يكون عليه البلح.
(٣) ا :«فيذهب».
(٤) ا :«النهار».
(٥) جمع الزورق، وهو السفينة الصغيرة. والمعروف فى جمعه الزوارق.


الصفحة التالية
Icon