معاني القرآن، ج ٣، ص : ٢٣٧
و البررة : الواحد منهم فى قياس العربية بار لأن العرب لا تقول : فعلة ينوون به الجمع إلا والواحد منه فاعل مثل : كافر وكفرة، وفاجر فجرة. فهذا الحكم على واحده بار، والذي تقول العرب :
رجل برّ، وامرأة برة، ثم جمع على تأويل فاعل، كما قالوا : قوم خيرة بررة. سمعتها من بعض «١» العرب، وواحد الخيرة : خيّر، والبررة : برّ. ومثله : قوم سراة، واحدهم : سرىّ. كان ينبغى أن يكون ساريا. والعرب إذا جمعت : ساريا جمعوه بضم أوله فقالوا : سراة وغزاة. فكأنهم إذ قالوا : سراة : كرهوا أن يضموا أوله. فيكون الواحد كأنه سار، فأرادوا أن يفرقوا بفتحة أول سراة بين : السرىّ والساري.
وقوله عز وجل : ما أَكْفَرَهُ (١٧) يكون تعجبا، ويكون : ما الذي أكفره؟. وبهذا الوجه الآخر جاء التفسير، ثم عجّبه، فقال :
«مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» (١٨) ثم [١٢٧/ ا] فسّر فقال :«مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ» (١٩) أطورا نطفة، ثم علقة إلى آخر خلقه، وشقيا أو سعيدا، وذكرا أو أنثى.
وقوله عز وجل : ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ «٢» (٢٠) معناه : ثم يسره للسبيل، ومثله :«إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ»، أي : أعلمناه طريق الخير، وطريق الشر.
وقوله عز وجل : ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) جعله مقبورا، ولم يجعله ممن يلقى للسباع والطير، ولا ممن يلقى فى النواويس، كأن القبر مما أكرم المسلم به، ولم يقل : فقبره لأنّ القابر هو الدافن بيده، والمقبر : اللّه تبارك وتعالى لأنه صيره ذا قبر، وليس فعله كفعل الآدمي. والعرب تقول : بترت ذنب البعير، واللّه أبتره.
وعضبت قرن الثور، واللّه أعضبه، وطردت فلانا عنى، واللّه أطرده «٣» صيّره طريدا، ولو قال قائل :
فقبره، أو قال فى الآدمي : أقبره إذا وجهه لجهته صلح، وكان صوابا ألا ترى أنك تقول : قتل فلان أخاه، فيقول الآخر : اللّه قتله. والعرب تقول : هذه كلمة مقتلة مخيفة إذا كانت من قالها قتل قيلت هكذا، ولو قيل فيها : قاتلة خائفة كان صوابا، كما تقول : هذا الداء قاتلك.

(١) كرر فى ش : بعض.
(٢) سورة الإنسان الآية : ٣.
(٣) كذا فى ش، وفى ب، ح : وصيره، تحريف. [.....]


الصفحة التالية
Icon