كذلك قوله تعالى في سورة المطففين (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون). في الأصل يقال اكتال من ولا يقال اكتال على. وقد عدّى فعل اكتال في هذه الآية بحرف على للدلالة على التسلط لأن هؤلاء المطففين لم يكتالوا من الناس بل تسلطوا عليهم بالإكتيال ولو كان الإكتيال طبيعياً لقال اكتالوا من الناس. (يقال كالوا الناس) كما في قوله تعالى (وإذا كالوهم أو وزنوهم) فعل كال وفعل وزن الأصل أن يتعدى بنفسه أو باللام وممكن الحذف يقال: كال له أو وزن له. فلماذا لم يقل كالوا لهم؟ اللام هنا تفيد الإستحقاق في أصل معناها في اللغة ثم تتشعب إلى معاني متعددة أخرى لكن هؤلاء المطففين لم يعطوا الناس حقوقهم فكيف يقول (كالوا لهم) فحذف لام الإستحقاق فقال كالوهم لأنهم ظلموا الناس ولو يعطوهم حقوقهم وعدّى الفعل اكتال بالحرف على للدلالة على الظلم والتسلط.
وكذلك قوله تعالى (فليحذر الذين يخافون عن أمره) لا يقال في الأصل خالف عن الأمر وإنما يقال خالف الأمر. فعل خالف يتعدّى بنفسه. لكن يخالفون عن جاءت بمعنى الإبتعاد عن الأمر أو العدول عن الأمر ولو كان قليلاً. والمعنى من الآية أنه ينبغي على الإنسان أن يحذر من مجرد الإبتعاد ولو في أمر واحد أو قليل فكيف بالمخالفة للأمر فهذا من باب أولى وهو أمر كبير عظيم هذا تحذير عظيم. فالله تعالى يحذرنا من الفتنة بمجرد الإبتعاد عن أمره ولو كان قليلاً فكيف المخالفة لأمره تعالى إذن صار المعنى يحتمل المخالفة والإبتعاد.
وكذلك قوله تعالى (من بعد أن أظفركم عليهم) يقال في الأصل ظفر به وليس ظفر على لكن تعدية الفعل أظفر بحرف على للدلالة على الإستعلاء. وكذلك قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) عدّى فعل تأكلوا بالحرف إلى ليدلّ على معنى لا تجمعوها وتضموها إلى أموالكم آكلين لها بمعنى الإستحواذ والجمع.
*... الإخبار بالعام عن الخاصّ:


الصفحة التالية
Icon