أي العبادات أكثر في هذه الآيات؟ في الأولى الأسوة كانت في القول في أمر واحد إلا (إلا قول إبراهيم) جادله قومه والإستثناء هو قول إبراهيم، أما في الثانية (فيكم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) هذه عامة وهي أهمّ ولذلك أكّدها باللام (لقد كان لكم) وجاء بأمرين بتذكير العبادة كما جاء باللام في جواب القسم المقدّر وكذلك في آية سورة الأحزاب الآية عامة ولم يخصص بشيء ولهذا ذكّر وخصص باللام الواقعة في جواب القسم، أما في الأولى فجاء بـ (قد) وأنّث الفعل. فعندما اتسعت العبادة وصارت أعمّ وأوسع من الأولى ذكّر وجاء باللام وهذا هو الأمر البياني بالإضافة إلى الأمر النحوي الذي تحدثنا عنه.
*... التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملائكة في القرآن الكريم: قال تعالى في سورة ص (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿٧٣﴾ ) وجاءت الملائكة هنا بالتذكير، وفي سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿٣٩﴾ ) جاءت الملائكة بالتأنيث.
الحكم النحوي: يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) و (قالت نسوة في المدينة) فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.
اللمسة البيانية: أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر فهو لأن في الآيات خطوط تعبيرية هي التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملائكة. وهذه الخطوط هي:
*... في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير (اسجدوا، أنبئوني، فقعوا له ساجدين)
*... كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير أيضاً كما في قوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) و (الملائكة يشهدون) (الملائكة يسبحون بحمد ربهم)


الصفحة التالية
Icon