** ومن ذلك قوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (١٥١) الأنعام) وقوله (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١) الإسراء) فقدم رزق الآباء في الآية الأولى على الأبناء، وفي الثانية قدم رزق الأبناء على الآباء وذلك لأن الكلام في الآية الأولى موجه إلى الفقراء دون الأغنياء فهم يقتلون أولادهم من الفقر الواقع بهم لا أنهم يخشونه فأوجبت البلاغة تقديم عِدتهم بالرزق تكميل العدة برزق الأولاد. وفي الآية الثانية الخطاب لغير الفقراء وهم الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر لا أنهم مفتقرون في الحال وذلك أنهم يخافون أن تسلبهم كلف الأولاد ما بأيديهم من الغنى فوجب تقديم العدة برزق الأولاد فيأمنوا ما خافوا من الفقر. فقل: لا تقتلوهم فإنا نرزقهم وإياكم أي أن الله جعل معهم رزقهم فهم لا يشاركونكم في رزقكم فلا تخشوا الفقر.
** ومن ذلك قوله تعالى (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧) البقرة) وقوله (وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً (٢٣) الجاثية) فقدم القلوب على السمع في البقرة وقدم السمع على القلب في الجاثية وذلك لأنه في البقرة ذكر القلوب المريضة فقال (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (١٠)) فقدم القلوب لذلك. وفي الجاثية ذكر الأسماع المعطلة فقال (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨) الجاثية) فقدم السمع. فوضع كل لفظة في المكان الذي يناسبها.