مثال آخر:
قال تعالى في سورة يوسف: (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴿٨٥﴾ ). من الناحية اللغوية معناها تالله لا تفتأ، إذا كان جواب القسم فعل مضارع لا بد أن يكون باللام مع النون (تالله لأكيدنّ) أو مع اللام إذا اقتضى حذف النون. لا بد في جواب القسم المثبّت أن تُذكر اللام سواء مع النون أو بدونها. وعندما لا تذكر اللام يدلّ على النفي. إذن لا يكون مثبتاً إلا بذكر اللام مع الفعل المضارع. فإذا قلنا (والله أذهب) معناها والله لا أذهب. إذا جاء جواب القسم فعلاً مضارعاً ولم يقترن باللام فهو نفي قطعاً.
نعود إلى آية سورة يوسف (تالله تفتأ تذكر يوسف) ومعناها لا تفتأ، هي الآية الوحيدة التي وقعت في جواب القسم منفيّة ولم يذكر اللام معها، في عموم القرآن عندما يكون القسم منفياً يأتي باللام (وأقسموا بالله جهد أيمانهم.. لا يبعث). هناك خياران: ذكر اللام أو حذف اللام. فلماذا حذف اللام في آية سورة يوسف ولم يقل (تالله لا تفتأ) الذكر يفيد التوكيد والحذف في ما عُلم معناه هو أقلّ توكيداً. وفي الآية استخدم كلمة (حرضاً) ومعناها الذي يمرض مرضاً شديداً ويهلك. ومعنى الآية أن إخوة يوسف أقسموا أن أباهم سيظلّ يذكر ابنه يوسف حتى يهلك أو تفسد صحته. لكن هل هذا مقام توكيد؟ وهل يمكن أن يقسم أحد على هذا الأمر المستقبل؟ طبعاً هذا ليس بمقدورهم ولا يعلمون ماذا سيحدث فيما بعد لذا فالمقام ليس مقام توكيد أصلاً. القسم هنا غير واقع حقيقة وغير متيقن لذلك وجب حذف حرف النفي (لا) مع أنه معلوم بالدلالة.


الصفحة التالية
Icon